أخبار

“ادفع مصاري بتمرّق دبابة” .. شعار حواجز النظام السوري.

يتلون الصلوات ويرتعدون خوفاً، هذه هي حالة المواطنين السوريين عند اقترابهم من الحواجز في مناطق سيطرة حكومة دمشق. لكي تعبر الحاجز بأمان ولا تتعرض للإهانة والتهم الكيدية عليك أن تدفع المال. يقول مصدر من مناطق حكومة دمشق “ادفع مصاري بتمرّق دبابة”.

آلية عمل الحواجز ونقاط التفتيش معروفة ومهامها واحدة في كل دول العالم، وهي الحفاظ على الأمن والاستقرار وإلقاء القبض على المشتبه بهم والمطلوبين، إلا أن الأمر مختلف تماماً في المناطق التي تسيطر عليها قوات حكومة دمشق، إذ يتسابق عليها الضباط لإدارتها كونها تعتبر مصدراً للكسب السريع للأموال وجمع الثروات من جيوب المواطنين، لدرجة أن الحاجز على استعداد أن يسمح بعبور كبار المطلوبين والمرتزقة؛ لقاء حفنة من المال وبغض النظر عن الجرائم التي ارتكبوها.

ومن ناحية أخرى، فإن كل حاجز يعتبر نقطة عبور جمركية، وتفرضْ الأتاوة حسب نوع الحمولة والسيارة وحسب لباس الشخص وهيئته؛ لأنه لا قانون يحكم الحاجز سوى مزاج الضابط المسؤول.

إلا أن هذه الأمور تنعكس سلباً على حياة المواطنين، حيث تضاف قيمة الرشوة أو الأتاوة إلى القيمة الإجمالية للحمولة؛ لترتفع الأسعار إلى الضعف أو الضعفين أحياناً، خاصة وأن مناطق حكومة دمشق تفتقر لأغلب المواد الأساسية، مما يضع المواطن في وضع يجبره على الشراء مهما وصل سعر السلعة.

وفي هذا التقرير، نسلّط الضوء على أبرز السلبيات التي خلفتها نقاط التفتيش والحواجز على المجتمع السوري من نواحٍ عديدة بالاستناد إلى عدد من الشهود الذين ذكرت أسماء وهمية لهم؛ خوفاً من تعرضهم للملاحقة والاعتقال.

الحواجز تعيق العجلة الصناعية

زين العابدين دعاس (48 عام) وهو أحد تجار الأقمشة في مدينة حلب أفاد لوكالتنا، خلال اتصال هاتفي، بأن الفرقة الرابعة التابعة لقوات حكومة دمشق تعمل على فرض إتاوات وضرائب باهظة تسميها “الترفيق” للسماح بمرور البضائع على الحواجز دون مشاكل أو تفكيك المحتويات بحجج التفتيش، على الرغم من وجود فواتير مختومة من جهة المنشأ.

أما عن قيمة “الترفيق” فقال دعاس أنها تختلف بحسب كمية ونوع البضاعة، فمثلاً إذا أردت نقل سيارة أقمشة من نوع كيا متوسطة من إحدى المصانع الموجودة في مركز مدينة حلب إلى المدينة الصناعية في حي الشيخ نجار بحلب، فتكلفة الضريبة المدفوعة للفرقة الرابعة تبلغ 3 ملايين وخمسمئة ألف، تضاف إلى مصاريف القماش، مما يجعل سعر المنتج النهائي باهظاً.

وتشهد الأسواق عموماً في سوريا ارتفاعاً غير مسبوق للأسعار، وخاصة أسواق الألبسة مع اقتراب فصل الشتاء.

حاولت وكالتنا التواصل مع أحد أعضاء غرفة الصناعة بمدينة حلب إلا أنه رفض الإدلاء بأي تصريح رسمي حول أسباب انخفاض التصدير بعدما كانت سوريا البلد الأول في الشرق الأوسط لتصدير الألبسة الجاهزة والأقمشة إلى كل من العراق والأردن.

“الحواجز الأمنية” وضعت خلافاً لتسميتها

يعتبر المجتمع السوري، بكافة أطيافه، الحواجز الأمنية لحكومة دمشق نقاطاً للترهيب، وهذا لسان حال صلاح يحيى (32 عاماً) والذي يعمل معاون سائق حافلة نقل ركاب في إحدى شركات النقل الداخلي الخاصة.

صلاح يشير خلال حديثه لوكالتنا أن الأهالي يتلون الصلوات ويرتعدون خوفاً، إذا اقتربوا من الحواجز، خوفاً من مزاجية عناصر الحاجز وقلة أخلاقهم التي تصل إلى إهانة الكبير قبل الصغير ووابل الشتائم والسباب التي تنهال عليهم. ناهيك عن التهم الكيدية التي قد توجه لهم والتي تودي بهم إلى غياهب السجون والمعتقلات سيئة الصيت.

ويتابع صلاح حديثه بالإشارة إلى أن كل حاجز موجود عليه عناصر يفرضون على الباصات (حافلات نقل الركاب) تعرفة لا تقل عن 2000 ليرة سورية، وقد تصل في بعد الأحيان إلى 10 آلاف ليرة سورية.

فمثلاً يصل عدد الحواجز الثابتة بين مدينة حلب والعاصمة دمشق إلى ما يقارب الـ 7 حواجز، ما عدا الحواجز المؤقتة “الطيارة”، التي تمتهن النهب بحدود 2000 ليرة للعبور، أما الحاجز الموجود بالقرب من مدينة حرستا وبوابة العاصمة، فتبلغ أحياناً تكلفة العبور 10 ألف، وقد ترتفع أكثر بحسب “المزاج” لعدم وجود رقيب أو حسيب أو أخلاق.

المكتب السري

أسامة السيد (43 عاماً) وهو أحد أصحاب محلات قطع غيار السيارات في مدينة حلب قال في تصريح لوكالتنا أنه على الرغم من دفعه لكل الأتاوات أو ما يسميها عناصر الحاجز “المستحقات الجمركية والترفيق”، إلا أنهم يتفاجأون بقرارات ما يسمى “المكتب السري” التابع لوزارة المالية لحكومة دمشق.

وقال أسامة إن الجهة المذكورة عملت منذ ما يقارب الأسبوعين على مصادرة حاوية كاملة لقطع السيارة لأحد تجار مدينة حلب، قادمة من ميناء طرطوس بحجة أنها ذات مصدر كوري جنوبي، وذلك لأن البضائع المسموح بها يجب أن تكون مستوردة من الصين حصراً، على الرغم من رداءة القطع الصينية التي يقلّ الطلب عليها في السوق.

يقول زين العابدين دعاس، في الصدد ذاته، إن أعضاء المكتب السري قاموا بمصادرة محل للأقمشة في حي الموكامبو في مدينة حلب؛ لأنها ذات منشأ تركي، علماً أن البضاعة قد عبرت من الحواجز وتم دفع كل الأتاوات المترتبة عليها حتى وصلت إلى المحل، وبهذا يكون التاجر قد خسر مرتين.

وينهي زين العابدين حديثه بالإشارة إلى أنه يمكن للمرء تمرير أي شيء على الحواجز بطريقة بسيطة، وهي “ادفع مصاري (المال) بتمرّق (تهرّب) دبابة” في جملة توضح مدى الفساد المستشري في حواجز ومؤسسات حكومة دمشق.

المصدر: ANHA.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى