اجتماعات أستانا.. ضامنون قسّموا سوريا إلى جبهات حرب
ودخلت الأزمة السورية محطة جديدة عبر بدء اجتماعات آستانا عاصمة كازخستان، لتؤكد على مدى تعمق الأزمة السورية وتعقدها.
‘آستانا 1.. بداية لتقاسم النفوذ’
عُقدت أول جولة من اجتماعات آستانا في 23 – 24 كانون الثاني 2017، بإشراف روسي وتركي وإيراني كأطراف دولية وإقليمية موجودة بقواتها العسكرية ومجموعاتها المسلحة على الأرض السورية، في وقت كان الدور الأمريكي في حالة انزواء بانتظار تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب واكتفاء الدول الأوربية والعربية بالمراقبة فقط.
اجتماع آستانا لم يكن يتعدى كونه تأكيدًا على التفاهمات الروسية والتركية والإيرانية داخل الأراضي السورية، وتقاسم النفوذ والأدوار من خلال السعي إلى تقوية إطلاق النار داخل الأراضي السورية الذي اتفقت عليه هذه الأطراف في 29 كانون الأول 2016، حيث كانت الحلول المقترحة في سوريا من قبل الثلاثي تستند إلى نموذج حلب الذي باعت تركيا فيه المجموعات المرتزقة التابعة لها للنظام وحليفه الروسي.
وسعت تلك الدول إلى تطبيق نموذج حلب على كافة المدن السورية الأخرى، وذلك بإخراج كافة المجموعات المسلحة من المدن السورية وتسليمها لحكومة دمشق، حيث حصلت تركيا مقابل حلب على الضوء الأخضر الروسي لاحتلال جرابلس والباب في الشمال السوري، أما دمشق وروسيا فكان همهما الوحيد هو السيطرة على مدن جديدة.
وفي ختام محادثات الجولة الأولى، أُعلن في بيان عن اتفاق على إقامة آلية ثلاثية لمراقبة الالتزام الكامل بوقف إطلاق النار ومنع أي استفزازات وتثبيت كل آليات تطبيق الهدنة، لكن ما اتفقوا عليه لم يحصل، وظلت الاشتباكات والقصف مستمرًا.
‘آستانا 2.. مساعي ولدت ميته’
ولم تُفض الجولة الثانية لآستانا التي عُقدت في منتصف شهر شباط، إلى أية نتائج كسابقتها، بل على العكس أظهرت حجم التعقيدات التي تعترض مسار الخطوة التالية للتفاهم الثلاثي الضامن وهو ما منع حتى التوافق على بيان ختامي مشترك.
الجولة الثانية بدأت فاشلة منذ بدايتها، إذ أن ما يسمى وفد (المعارضة السورية) المدعوم من تركيا ودول خليجية مثل السعودية وقطر، حضر على دفعتين ومتأخرًا ليوم كامل، كما خفّضت تركيا من تمثيل وفدها، وعطّلت إصدار بيان مشترك في ختام الاجتماع في ضوء تحالفها مع مرتزقة جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام حاليًّا) على الأرض.
ورغم الإعلان الروسي عن توصل الجولة الثانية إلى إنشاء “آلية حازمة” لمراقبة وقف إطلاق النار، فإن سقف طموحات هذا الاجتماع كان أعلى بكثير حين اختتام سابقه، إذ كان يدور الحديث حول إعداد اللمسات النهائية على خريطة انتشار مرتزقة «جبهة النصرة» في الأراضي السورية، استعدادًا لفصل «المعتدلين» عنها بهدف محاربتها لاحقًا، ولكن لم يحدث هذا بسبب دعم الأطراف الضامنة –تركيا- لمرتزقة جبهة النصرة.
‘آستانا 3.. تشكيل لجان ولم يتوقف إطلاق النار’
الجولة الثالثة من آستانا التي عُقدت منتصف شهر آذار 2017، جاءت لتؤكد أن لا جدوى من هذه المحادثات، إذ أن وفد ما يسمى بالمعارضة السورية رفض المشاركة في البداية وتأخر يومًا كاملًا عن المشاركة.
وكالعادة، كان الاتفاق مجددًا بين تركيا وروسيا وإيران، في ختام هذه الجولة أيضًا، إذ اتفق المجتمعون على أن تصبح إيران بشكل رسمي “ضامنة” لوقف إطلاق النار في سوريا إلى جانب تركيا وروسيا، لتمنح المشروعية لإيران بالوجود داخل الأراضي السورية بعد أن منحت الشرعية لتركيا باحتلال أراضي شمال سوريا في الجولتين السابقتين.
ولفت البيان الختامي لهذه الجولة إلى أن “الدول الضامنة” اتفقت على تشكيل لجان لمراقبة الهدنة والخروقات، ولجان لمتابعة ملف المساعدات، ولجان لملف الأسرى والمعتقلين، إلى جانب اقتراحٍ بتشكيل لجنة لصياغة الدستور السوري، ولكن لم يتغير أي شيء على أرض الواقع، إذ استمر القتل والقصف والاشتباكات والتجويع.
‘آستانا 4.. الأفعال عكس الأقوال’
على الرغم من أن هذه الجولة التي عقدت مطلع شهر أيار 2017، اتفقت فيها كل من روسيا وتركيا وإيران على مذكرة تفاهم لـ “تخفيف التصعيد”، ضمن أربع مناطق في سوريا، لكن إراقة الدماء السورية استمرت.
وبعد أن كان وفد ما يسمى بالمعارضة قد قرر مقاطعة المحادثات، استأنف مشاركته، إلا أن مشاركة إيران في توقيع المذكرة دفعه إلى الانسحاب مرة أخرى.
وبحسب ما اتفقت عليه الدول الضامنة الثلاث، روسيا وتركيا وإيران، فإن مناطق خفض التصعيد هي في كل من محافظة إدلب، وإلى الشمال من حمص، الغوطة الشرقية وفي جنوب سوريا.
وبعد الجولة الرابعة من أستانا بدأت كافة جبهات القتال ضد حكومة دمشق بالتوقف بأوامر تركية، وبالتالي تفرّغت قوات دمشق وروسيا للسيطرة على “مناطق خفض التصعيد” الأربعة، الواحدة تلو الأخرى تباعًا، وتم نقل المرتزقة الذين رفضوا توقيع وثائق الاستسلام إلى إدلب التي تسيطر مرتزقة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) المصنفة على لائحة الإرهاب الدولي على 90 % من مساحتها.
‘آستانا 5.. فشل في الاتفاق’
وبعد أن وقّعت الدول الراعية في الجولة الرابعة لاجتماع آستانا مذكرة تفاهم تخفيف التصعيد، اختُتمت الجولة الخامسة التي عُقدت مطلع شهر تموز، من دون التوقيع على وثائق، وتم تأجيل إبرام الاتفاق حول إقامة 3 مناطق خفض تصعيد في محافظة إدلب وحمص والغوطة الشرقية، بشكل مؤقت، كما لم تتمكن أطراف محادثات آستانا “روسيا وتركيا وإيران” من تنسيق حدود تلك المناطق.
‘آستانا 6.. تحقق مصالح الدول الضامنة‘
حققت الجولة السادسة لاجتماعات آستانا التي عُقدت منتصف أيلول 2017، مصالح الدول الضامنة لوقف إطلاق النار في سوريا “روسيا وتركيا وإيران”، فروسيا استطاعت أن تخفف هجمات المجموعات المرتزقة على دمشق، وبالتالي ساعدت الأخيرة في استعادة مناطق جديدة وفرض الحصار على مناطق أخرى وتجويع سكانها، وجعل المرتزقة فيها يستسلمون.
وبالنسبة لتركيا، فإن هذه الاجتماعات منحتها المشروعية للبقاء في الأراضي السورية التي احتلتها اعتبارًا من آب 2016، ومنحها أيضًا صفة المراقبة، وهو ما لم تكن تركيا تتوقعه بعد أن فشلت كافة تدخلاتها في الأزمة السورية في تحقيق أطماعها في المنطقة.
واستغلت تركيا هذه الصفقات في احتلال مناطق عفرين وسري كانيه وكري سبيه.
أما إيران التي كانت تحارب إلى جانب دمشق، بات وجودها شرعيًّا في سوريا لأن هذه الاجتماعات منحتها صفة المراقب والضامن لوقف إطلاق النار.
‘آستانا 7.. لا فائدة للسوريين’
وعُقدت الجولة السابعة من الاجتماعات في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، ولكنها انتهت من دون تحقيق نتائج تُذكر، حيث لم تصل الأطراف المشاركة لأي توافق فيما يخص إطلاق سراح المعتقلين وتبادل الأسرى، وفي إيصال المساعدات بشكل متواصل إلى السكان في المناطق المحاصرة.
‘آستانا 8.. محاولة روسية لتعزيز القبضة على الملف السوري’
وعُقدت الجولة الثامنة في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2017، وتمخضت عن تحديد موعد مؤتمر في سوتشي بروسيا، حيث ترى روسيا بأنها الراعي الكبير واللاعب الأساسي الأقوى في معادلة الصراع على سوريا.
وكانت الدول الراعية لآستانا ممثلة في روسيا وتركيا وإيران قد ركزت في هذه الجولة، على تقريب وجهات النظر بشأن الخطوط العريضة للمبادرة الروسية الرامية إلى أن تكون بديلًا عن منصة جنيف التي فشلت في إحداث أي خرق نتيجة استعصاء التوافق على جملة من الملفات.
‘آستانا 9.. معارك مستمرة وحديث عن دستور’
وعُقدت الجولة التاسعة من مسار آستانا في 14 مايو/ أيار الماضي، ولم تحمل نتائج مهمة، خصوصًا ملف المعتقلين الذي كان بين أبرز الملفات العالقة في الجولات السابقة للاجتماعات في آستانا.
وأصدر الثلاثي الضامن، في ختام الجولة، بيانًا مشتركًا أكدت فيه روسيا وتركيا وإيران استعدادها لمواصلة الجهود المشتركة لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2254، ودعم تنفيذ توصيات “مؤتمر الحوار الوطني السوري” في سوتشي، وبدأت روسيا لترويج مسودة دستور كتبها خبراء روس.
‘آستانا 10.. حديث عن سلام واستمرار بالقتل’
وعُقدت هذه الجولة في 30 تموز 2018، واتفقت الدول الثلاثة المتدخلة في سوريا على “مساعدة السوريين” في استعادة حياتهم الطبيعية، وبدء المحادثات لمساعدة النازحين واللاجئين في العودة، ولكن أيًّا من ذلك لم يتحقق، بل استمر القتل والتدمير والنزوح.
‘آستانا 11.. فشل جديد’
وعُقدت في 28 تشرين الثاني 2018، ويمكن اختصار هذه الجولة بجملتين “قدر السوريين بقي بين طرفين”، ولم تصل الجولة إلى أية نتائج، فكان من المفترض أن تناقش الأطراف تشكيل اللجنة الدستورية، ولكن المحادثات فشلت في بدايتها بسبب خلاف بين روسيا وجيمس جيفري.
‘آستانا 12.. تلويح بالتصعيد’
وعُقدت في 25 نيسان 2019، ولوّحت خلالها حكومة دمشق بشن عملية عسكرية على إدلب التي تجمّع فيها المرتزقة من كافة أنحاء سوريا.
‘آستانا 13.. نتائج صفرية وخلافات بين الضامنين’
انتهت الجولة 13 من مسار آستانا ببيان يشبه الذي قبله، دون قرارات ملموسة في ما يتعلق بالتقدم في ملف ما تسمى اللجنة الدستورية، الذي صدرت تصريحات متناقضة من الأطراف المشاركة بخصوص إنجازه.
لا تقدم في ملف المعتقلين، الخلافات واضحة حول الحل في إدلب بين الأطراف المشاركة؛ ففي حين تضمّن البيان ضرورة العودة إلى اتفاق سوتشي حول المنطقة “المنزوعة السلاح” في إدلب وريف حماة الشمالي، ينظر الجانب الإيراني، ومعه وفد حكومة دمشق، إلى كل من في إدلب على أنهم متطرفون.
الخلافات بين روسيا وإيران تزايدت حول مشاركة روسيا في اجتماع القدس الأمني، وموافقتها على استمرار الضربات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية داخل الأراضي السورية.
‘آستانا 14.. معادة الكرد وشمال وشرق سوريا’
اختتمت في العاصمة الكازاخية نور سلطان، الاجتماع الـ 14 للدول الضامنة لمسار آستانا حول سوريا، دون أن يحمل معه أي جديد نوعي سوى معاداة الكرد وعموم مكونات شمال وشرق سوريا.
وجددت هذه الدول الضامنة، والتي قسمت سوريا إلى مناطق نفوذ وغيرت ديمغرافيتها، زعمها على الالتزام بوحدة وسيادة الأراضي السورية، و”رفض خلق واقع جديد على الأرض”.
وجاء ذلك في البيان الختامي الذي أشار إلى أن “إيران وروسيا وتركيا ترفض جميع المحاولات الهادفة إلى خلق واقع جديد على الأرض، بما في ذلك مبادرات الحكم الذاتي غير المشروعة”.
‘آستانا 15.. بيان فضفاض’
وفي 23 نيسان/ أبريل عام 2020، عقد وزراء خارجية الثلاثي الضامن (روسيا، تركيا، إيران) الجولة 15 من جولات مسار آستانا.
وخرج المجتمعون ببيان فضفاض حول الأوضاع في الشمال الغربي من سوريا، كما جرت العادة في أغلب اجتماعات المسار الأخيرة، والتي لم تؤد إلى إنهاء التصعيد.
وشدد الوزراء على ضرورة دفع العملية السياسية في سورية بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2254، والصادر بتاريخ 18 ديسمبر/ كانون الأول 2015 والمتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية.
وخلال الجولتين 14 و15 جرت أحداث وتطورات ميدانية مهمة في إدلب ومحيطها، إذ واصلت قوات دمشق، بدعم جوي من الطيران الروسي، العمليات العسكرية لقضم المزيد من المناطق.
وسيطرت قوات حكومة دمشق، خلال يناير/ كانون الثاني وشباط / فبراير الماضيين، على مساحات كبيرة في منطقة خفض التصعيد الرابعة، حيث وضعت يدها على كامل ريف حلب الجنوبي وجانب كبير من ريف حلب الغربي.
كما سيطرت قوات حكومة دمشق على قسم كبير من ريفي إدلب الجنوبي والشرقي، لا سيما مدينتي سراقب ومعرة النعمان، إضافة إلى محاصرة المزيد من ما تسمى بالنقاط التركية القديمة والجديدة في محيط إدلب.
‘مخاطر كبيرة’
وحول ذلك تحدث المعارض السوري أحمد الدرزي قائلًا: “اجتماعات آستانا التي مرت عليها 4 أعوام حتى الآن، لم تخرج عن سياق الصراع الدولي الكبير والانكفاء الأمريكي في المنطقة ومحاولة واستيعاب تركيا وإخراجها من حلف الناتو، وضمن هذا السياق كانت المحاور الروسية والإيرانية تعمل على إخراج تركيا مقابل بعض المكاسب السياسية والاقتصادية، فتحققت من خلال اجتماعات آستانا بعض المكاسب في سوريا وبعد مخاطر كبيرة”.
ورأى الدرزي “من جملة المكاسب أن دمشق استعادت منطقة وسط سوريا في حمص وحماة وأيضًا استعادت الغوطة الشرقية وبعض المناطق الأخرى بموجب دائرة اتفاقات آستانا، بالإضافة إلى استعادة جزأين في الجنوب السوري مع بعض إشارات الاستفهام حولها”.
‘الحصة الكبيرة كانت لتركيا’
وأضاف “على العكس من ذلك كانت الحصة التركية من آستانا حصة كبيرة في محاولة هذا الاستيعاب، حيث تمركزت في إدلب بشكل كبير وواسع، واحتلت منطقة عفرين وجرابلس والمنطقة الممتدة من تل أبيض إلى رأس العين، كل هذه المناطق أصبحت في حدود الدولة التركية التي لن تخرج إلا بمقاومة كبيرة”.
واختتم الدرزي حديثه قائلًا: “آستانا ليس أبيض وليس أسود، فهو خليط ومزيج من الأمرين”.
المصدر: ANHA