إدلب.. تحشيد تركي وباحث يحذّر من نواياها الاحتلالية والميثاق الملي
تشهد مناطق في مدينة إدلب وضواحيها تصعيدًا بين قوات حكومة دمشق ومرتزقة الاحتلال التركي، وتدور رحاها في محاور من جبل الزاوية وكنصفرة وبنين وسفوهن وبيلون، ومن جانبها تشن القوات الجوية الروسية غارات تستهدف المرتزقة.
واحتلت تركيا هذه المنطقة باتفاق مع روسيا وإيران عقب توصل الأطراف الثلاثة في أيار/مايو من عام 2017 في اجتماعات أستانا إلى اتفاق على تشكيل نقاط مراقبة من قبل الأطراف الثلاثة لمراقبة الوضع الميداني، وعلى هذا الأساس احتلت تركيا 12 منطقة سورية بحجة إقامة نقاط مراقبة.
وبناء على اتفاقات أستانا بدأت قوات حكومة دمشق بدعم روسي وإيراني، باتباع سياسة القضم التدريجي للمناطق الخاضعة لسيطرة مرتزقة تركيا والتي تقع 90 % منها تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا والمصنفة على لائحة الإرهاب الدولي) والبقية لسيطرة مرتزقة آخرين.
وأطلقت تركيا الوعيد بمنع تقدّم قوات حكومة دمشق وإيقافها، ولكنها ظلت صامتة حتى وقعت عدد من نقاط مراقبتها في مناطق أصبحت خاضعة لسيطرة دمشق، وحين قُتل جنود أتراك في قصف لقوات حكومة دمشق، اندلعت معارك بين الطرفين.
‘الاتفاق والبنود’
وتوصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان في5 آذار/مارس 2020، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
وكان من أبرز بنود الاتفاق سحب تركيا ما تسمى نقاط المراقبة المحاصرة من قبل قوات حكومة دمشق، وإخراج كافة الآليات الثقيلة من إدلب، وحل الجماعات الإرهابية وعلى رأسها هيئة تحرير الشام.
‘إخلاء خمس نقاط..’
وفي منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام الجاري، بدأ الاحتلال التركي بإخلاء أولى تلك القواعد، حيث سحب معداته من قاعدة “مورك” في ريف حماة الشمالي، نحو بلدة “قوقفين” جنوب إدلب، ثم أخلى تباعًا قاعدتي “شير مغار”، و”معر حطاط” الواقعة على الطريق الدولي M5 شمالي مدينة “خان شيخون”.
واستمرت عمليات الإخلاء لتشمل النقطة العسكرية في قرية “الشيخ عقيل” الواقعة قرب بلدة “قبتان الجبل” غرب حلب، ونقاطًا متفرقة كانت تحيط بمدينة “سراقب” شرق إدلب.
‘نقاط جديدة في جبل الزاوية’
وفي المقابل تم إنشاء خمس نقاط للاحتلال التركي في إدلب، شملت: قرية دير سنبل جنوب إدلب، وبلدة البارة ضمن جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، والمطلة على مدينة معرة النعمان وريفها الشرقي جنوب إدلب، وقرية بليون وتلة المرقب، وتل بدران في ريف إدلب الجنوبي، ويرتفع بذلك عدد النقاط التركية في منطقة خفض التصعيد إلى 73 نقطة.
وتتركز نقاط الاحتلال التركي في جبل الزاوية، حيث تم رصد ما يزيد عن 20 نقطة، أبرزها الواقعة على سفح جبل “النبي أيوب”، والذي يعدّ أعلى قمة في ريف إدلب، ويكشف مساحة واسعة من جبل الزاوية وسهل الغاب غرب حماة، وفي بلدة “شنان” و”سرجة”، فيما تتوزع بقية النقاط على “أحسم وبليون، ودير سنبل وفركيا، وتل معراتا وقوقفين وترعان، ومعرزاف، ونحلة”.
وفي الفترة الأخيرة أنشأ الاحتلال التركي نقطتين إضافيتين، الأولى تقع بين بلدتي “البارة” و “دير سنبل”، وتطل على مدينتي “معرة النعمان” و “كفرنبل” الخاضعتين لسيطرة قوات حكومة دمشق، والثانية في بلدة “الرويحة” القريبة من الطريق الدولي M5، حيث سيطرت القوات الروسية، فيما ينتشر جيش الاحتلال التركي في عدة نقاط بالقرب من الطريق الدولي M4 جنوب إدلب.
‘تعزيزات رغم الاتفاق’
ويواصل الاحتلال التركي تعزيز مواقعه العسكرية في الريف الجنوبي لمحافظة إدلب شمال غرب سوريا بعد مرور نحو 9 أشهر على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار حول المنطقة، بين أنقرة وموسكو في الخامس من شهر آذار/مارس الماضي.
وأخذت وتيرة التعزيزات العسكرية التركية في إدلب، وتحديدًا في جبل الزاوية في ريفها الجنوبي بالتصاعد خلال الشهرين الماضيين، إذ بدأت أنقرة بتشكيل جدار دفاعي متين يحيط بالجبل، ويرصد بشكل مباشر نقاط انتشار قوات حكومة دمشق ومن خلفه المجموعات الموالية لروسيا وإيران.
وفي خرق لبنود الاتفاق، أدخل الاحتلال التركي منذ عملية وقف إطلاق النار -5 آذار- قرابة 7560 آلية عسكرية إلى الأراضي السورية، بالإضافة إلى آلاف الجنود.
وارتفع عدد الشاحنات والآليات العسكرية التي وصلت منطقة خفض التصعيد، خلال الفترة الممتدة من الثاني من شهر شباط /فبراير2020 وحتى الآن، إلى أكثر من 10895 شاحنة وآلية عسكرية دخلت الأراضي السورية.
لماذا جبل الزاوية؟
وتتمثل أهمية جبل الزاوية بالنسبة للاحتلال التركي في موقعه الاستراتيجي، كونه يعدّ صلة الوصل بين ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي الغربي، كما أنه يرصد مساحات واسعة في جميع الاتجاهات، فضلًا عن إشرافه على الطريقين الدوليين حلب – اللاذقية M4 وحلب – دمشق M5.
ويختلف الوضع العسكري لمرتزقة الاحتلال التركي في هذا المحور عن بقية المناطق، بسبب وعورة مناطق جبل الزاوية وما حولها، وقدرة المرتزقة على ترتيب عمليات الصد بسبب ضيق مسافة القتال وتحصين المنطقة، ولذا فهي تعدّ مهمة بالنسبة لتركيا ومرتزقتها كخط دفاعي عن باقي مناطق إدلب.
وتهدف قوات حكومة دمشق من فتح المعارك في محاور جنوب إدلب، إلى السيطرة على الجيب الممتد في جبل الزاوية، وصولًا إلى طريق حلب – اللاذقية M4، ولهذا يزيد الاحتلال التركي من نقاطه ودعمه للمرتزقة للصمود في هذا المحور، من أجل الحصول على موقف قوي في أي مفاوضات مع روسيا لاحقًا.
‘تركيا لم تلتزم بأي تعهد من التعهدات’
وفي هذا السياق، يقول الكاتب والباحث السوري أحمد الدرزي: “من الواضح أن تركيا لم تلتزم بأي تعهد من التعهدات والاتفاقات مع روسيا إلا بما يخدم استراتيجيتها العامة، فهي سهّلت سقوط حمص وريفها الشمالي، ومناطق ريف دمشق وخاصة الغوطة”.
وأشار الدرزي إلى أن تركيا بعد يقينها بعجزها عن إسقاط حكومة دمشق بفعل وجود الدعم الروسي والإيراني “انتقلت إلى الخطة البديلة التي تحقق لها الميثاق الملّي، وإحداث تغيير ديمغرافي في شمال وشرق سوريا باحتلالها له، وتوطين سكان حمص والغوطة الذين رفضوا المصالحة مع دمشق هناك”.
وأكد أن الوضع اختلف الآن “وتركيا لن تفرط في المناطق التي احتلتها والتي تجعل منها لاعبًا أساسيًّا في أية تسوية سياسية قادمة، وهي بالتالي تتشدد على بقاء قوات عسكرية تركية داخل إدلب وبالأسلحة الثقيلة، كي تحافظ على دورها في رسم مستقبل الدولة السورية”.
‘الصمت الروسي متعلق بالصراع الذي تخوضه موسكو مع واشنطن’
إلى ذلك، قال الكاتب والباحث السوري، إن الصمت الروسي تجاه مخططات أنقرة ينبع من دوافع متعددة ومختلفة تتحدد جميعها بطبيعة الصراع الذي تخوضه موسكو مع واشنطن والغرب عمومًا، في الوقت الذي وصلت فيه قوات الناتو من الناحية الفعلية إلى الحدود الروسية بوساطة الثورات الملونة، معتبرًا أن “العنصر الأهم في نجاح الناتو في محاصرة روسيا هو الاعتماد على تركيا التي تمتلك مجموعة من أوراق الضغط على موسكو”.
وأضاف: “إن إمكانية وصول موسكو إلى البحر المتوسط عبر الممرات البحرية، أو منافستها في آسيا الوسطى التي تنتمي أغلب دولها إلى القومية التركية، أو في الداخل الروسي بحكم وجود أقليات تركية مسلمة تنظر إلى الرئيس التركي بمثابة السلطان أو الخليفة لمجد غابر، تدفع بموسكو للاستمرار بمحاولات إخراج تركيا من الناتو واحتوائها، وهذه المحاولات ثمنها باهظ في الداخل السوري”.
وبيّن الدرزي أن الوضع في إدلب أيضًا ينتظر الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة بايدن، وانعكاس مواقفها على روسيا وتركيا وسوريا.
وعدّ الدرزي في ختام حديثه أنه من المتوقع أن تستمر الإدارة الأمريكية بدعم “الإسلاميين” لخدمة مصالحها، خاصةً أن الديمقراطيين –الأمريكيين- هم من أطلقوا ما يسمى ثورات الربيع العربي “الإخواني”، وقال: “إنها لن تفرط بهذه الورقة بلا مقابل كبير يوازنها على مستوى الحل السياسي السوري، الذي يدفع بدمشق إلى الخروج من الاصطفاف مع الدول الناهضة المناوئة للهيمنة الأمريكية”.
المصدر: ANHA.