أخبار

أمريكا وروسيا.. لا تجرح عدواً مميتاً في حرب يخسرها الجميع

“لا تجرح أبداً عدواً مميتاً ودعه يعيش. إما أن تقتله أو تجعله صديقاً”

هذا القول الحكيم انطلق من فلورنسا قبل 500 عاما، لكن يمكن إسقاطه على الصراع الحالي المتنامي بين الغرب وروسيا.

فلا يمكن جر حرب إلى معادلة صفرية، طالما لا تقبل هذه الحرب من الأساس النهاية الصفرية. وبصياغة استفهامية أوضح: هل يمكن تحقيق هزيمة نهائية ضد دولة تملك آلاف الرؤوس النووية، واقتصادا مؤثرا، ووجودا سياسيا معقولا في العالم؟

الإجابة المنطقية على هذا السؤال يمكن أن تدفع كثر إلى ما يمكن وصفه بـ”إعادة تقييم” الوضع في أوكرانيا وجدوى الصدام بين الغرب وموسكو، وما يرتبط بذلك من إمكانية خلق مسار لحل وسط يجنب العالم نتائج مدمرة متوقعة.

حرب شاملة؟

وفي هذا الإطار، يحاول هذا التقرير تقييم واقع الحرب في أوكرانيا بعد 3 أشهر من انطلاقها، ويرسم ملامح الصدام المتنامي مع موسكو في محاور عدة، ومراحل تحول الصراع من عملية عسكرية إلى “حرب شاملة هجينة” وفق تعبير وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

تلك الحرب “الشاملة الهجينة” ظهرت بوضوح في تنظيم مؤتمر سري قبل أيام، يهدف للإطاحة بالنظام الروسي وتقويض روسيا، في ليتوانيا، بحضور طيف واسع من السياسيين والصحفيين والخبراء من الدول الغربية.

هذا المؤتمر يعيد إلى الواجهة الهدف الأساسي للاستراتيجية الغربية الحالية ضد موسكو، والذي وضعته قمة حلف شمال الأطلسي “الناتو” في أبريل الماضي، وهو “خروج روسيا منهزمة من الحرب”، بينما صاغه مسؤولون غربيون بطريقة أوضح “إضعاف روسيا لدرجة تجعلها عاجزة عن إطلاق تحذير آخر”.

لكن الموقف الغربي المدفوع أمريكيا، من روسيا، يحمل في طياته عدة محاور رئيسية؛ وينطلق من دهاليز الاستراتيجية إلى دروب الاقتصاد، ومن حيل السياسة إلى استديوهات القنوات وغرف الأخبار.

مسار متغير

على مدار 3 شهور، تبدل واقع الحرب في أوكرانيا على الأرض جغرافيا وعسكريا، ولم يتبدل في الآلة الإعلامية الغربية وتصريحات المسؤولين؛ وغيرت موسكو استراتيجيتها بشكل كبير، لكن الغرب توقف عند “أخبار هزيمة روسيا”.

 ويمكن ببساطة رسم خط فاصل في مسار الحرب عند تاريخ الإعلان عن معركة دونباس في 19 أبريل/نيسان الماضي، إذ أدركت موسكو في هذا الوقت فخ حروب المدن الذي يعده الغرب في مدن وسط وغرب أوكرانيا، ولجأت لتكثيف الحرب في البيئات الأقل عداء والأكثر أهمية بجنوب وشرق البلاد.

وفي أول شهرين من الحرب، اعتمدت روسيا استراتيجيات الحرب الخاطفة، وحاولت استهداف المدن الكبيرة، وخاصة كييف الكبرى بأرتال الدبابات وقصف جوي ومدفعي، وأحيانا الانزال الجوي.

لكن هذه الاستراتيجية جرت القوات الروسية إلى حروب مدن في البلدات المحيطة بالعاصمة الأوكرانية وخيرسون وخاركيف وغيرها، ومنح فرصة للغرب للتدخل بشكل حاسم في المعارك عبر منح أوكرانيا الصواريخ المضادة للدبابات والدروع مثل “جافلين”.

وكان لهذا التدخل الغربي أثر قوي، لأن المناطق المحيطة بكييف مسطحة ولا تناسب حروب الدبابات، ما جعل الأخيرة صيد سهل للصواريخ المتقدمة، وساهم في تقوية الدعاية الغربية عن خسائر روسيا أو هزيمتها في الحرب.

وفي هذه المرحلة، أدركت موسكو أن استراتيجيات الحرب الخاطفة غير ناجعة في ظل الدعم الغربي لكييف، كما بات واضحا أن واشنطن وحلفاؤها يهدفون لإطالة أمد الصراع، أملاً في إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، من خلال العمل على استنزافها عسكرياً واقتصادياً وسياسيا.

تحول استراتيجي

وإثر ذلك، دشنت موسكو تحولا استراتيجيا في الحرب، عبر تركيز الحرب على إقليم دونباس ومدن الجنوب الأوكراني المهمة استراتيجيا، لاتصالها الجغرافي بالبحر الأسود وشبه جزيرة القرم، والقريبة دينيا وثقافيا ولغويا من روسيا.

وبعد أكثر من شهر من تغيير موسكو استراتيجيتها، حقق الجيش الروسي انتصارات كبيرة وحقق كثير من أهدافه في شرق وجنوب أوكرانيا، وسيطر على مدينة رئيسية مثل ماريوبول الساحلية.

وتهدف موسكو حاليا للسيطرة على مدينة سيفيرودونيتسك الاستراتيجية، وتوأمها الأصغر ليسيكانسك على الضفة الغربية العليا لنهر سيفرسكي دونيتس، ما سيمكنها من السيطرة على لوجانسك، وهي أولى مقاطعات دونباس.

وتوفر السيطرة على دونباس بالكامل، لموسكو فرصة إنشاء ممر بري بين الأراضي الروسية، وشبه جزيرة القرم، ثم السيطرة الكاملة على المرافق الحيوية للقوات العسكرية الأوكرانية وموانئ البحر الأسود التي يتم من خلالها تصدير المنتجات الزراعية والمعدنية إلى البلدان الأخرى.

سحابة “صناعية”

وفيما كانت موسكو تختبر الاستراتيجيات وتبدلها على أرض المعركة، كان الإعلام الغربي يفاقم “رعب الحرب النووية”، ويوجه اتهامات متتالية لموسكو بالإعداد لحرب نووية، ثم هجمات نووية تكتيكية.

ولا شك أن قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الأيام الأولى للحرب، وضع قوات الردع النووي في حالة تأهب، فتح هذا الملف، لكن الغرب تسلم طرف الخيط، وتوالت التصريحات عن الحرب النووية، فضلا عن تقارير وسائل الإعلام التي فاقمت الأمر، حتى بات الأمر وكأنه “سحابة صناعية”.

إذ حولت التقارير وتصريحات المسؤولين المتكررة في الغرب، إمكانية استخدام الأسلحة النووية، سواء تكتيكية أو تقليدية، إلى أمر اعتيادي وممكن، ضمن استراتيجية لـ”شيطنة روسيا”، وحشد التأييد لأوكرانيا، رغم أن موسكو التي تمتلك أكبر مخزون من الأسلحة النووية التكتيكية (2000) التي لا يتجاوز تأثيرها الهدف العسكري المباشر، لم تلجأ إليها حتى في ظل تراجعها بالفترة الأولى للحرب.

ورغم هذا الضغط النووي المتواصل، يقول فيتالي نعومكين، رئيس “معهد الاستشراق” التابع لأكاديمية العلوم الروسية، في مقال سابق، “على الرغم من كل الاستفزازات والتصريحات غير المسؤولة لبعض الصقور الغربيين، سيظل العالم قادراً على تجنب حرب نووية يحاولون دفعه إليها”.

آخر خط دفاع

منذ 2013، بدأت روسيا عملية تحدي واضحة للشكل الذي ساد النظام الدولي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، ودشنت عملية توازن قوى تقليدية لتحل محل ما كان يعرف بـ”التوازن الناعم”، عبر لعب أدوار قوية في سوريا وأوكرانيا ودول أفريقية.

وفي هذا السياق، كتبت سونيل داسغوبتا الأستاذة بجامعة ماريلاند بالتيمور الأمريكية، في مقال مؤخرا، إن قدرة روسيا على تحدي الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى خلال الأعوام الماضية، وخاصة في أوكرانيا وسوريا، عكست عودة التوازن التقليدي لسياسات القوة، والسير باتجاه عالم متعدد الأقطاب، تكون فيه الولايات المتحدة واحدة من العديد من القوى العظمى المتشابهة.

ووفق داسغويتا، فإن إكمال الطريق نحو العالم متعدد الأقطاب يمر بما يحدث بأوكرانيا، لكنها أشارت إلى ضرورة انضمام قوى أخرى إلى روسيا، مثل الصين، من أجل انجاح هذه الجهود.

ومن ثم، فإن أمريكا تعي أن ما يحدث الآن في الحرب الأوكرانية يمكن أن ينتج عالم متعدد الأقطاب تقل فيه الهيمنة الأمريكية، وتحول الصراع بشكل أو بآخر، إلى خط دفاع عن النظام أحادي القطبية، في لعبة محفوفة بالمخاطر.

زلزال خطير

ووفق مقال للكاتب والصحفي الإيراني، أمير طاهري، فإن الغرب لا يمكنه إلحاق هزيمة كاملة بروسيا، يمكن أن تمنعها في المستقبل من أن تكون تهديدا كبيرا لمصالحه في ضوء الامكانات العسكرية والسياسية والاقتصادية الكبيرة لموسكو.

ويقول في هذا الإطار، “إذا تم وضع بوتين في الزاوية، فقد يختار شن حرب «فاترة» من خلال إثارة التوترات في أوروبا، وإشعال الحرائق في آسيا الوسطى”.

ففي الوقت الراهن، وقبل فرض أي وضع على روسيا في أوكرانيا، فإن الاضطراب والقلق في أوروبا بلغ مستوى خطير، فهناك دول تغير استراتيجيتها التاريخية مثل ألمانيا، وتعيد تسليح جيوشا، ودولا أخرى تشهد مشاكل سياسية داخلية جراء الرغبة في زيادة الانفاق العسكري، مثل إسبانيا.

كما أن منظومة الأمن المستقرة في القارة الأوروبية تتغير بشكل سريع؛ إذ نرى دولا محايدة مثل عقود، كالسويد وفنلندا، تسعى بقوه للانضمام إلى “الناتو”، فضلا عن انتشار مكثف غير مسبوق للحلف في بولندا ودول البلطيق.

هزات ارتدادية

وبالإضافة إلى الوضع المضطرب في أوروبا والمرشح لمزيد من الاضطراب في ضوء تطورات الوضع بأوكرانيا، فإن محاولة فرض الهزيمة على روسيا سيؤدي لأضرار كبيرة واضطرابات خاصة في منطقة وسط آسيا والشرق الأوسط وستمدد الداعيات عالميا على المستويين التكتيكي والاستراتيجي في فترة يحتاج فيها العالم لمواجهة تحديات خطيرة اقتصاديا وبيئيا، بحسب مراقبين.

الفراغ الخطر

ففي مناطق مثل الشرق الأوسط ومنطقة الساحل في أفريقيا، على سبيل المثال، تعد روسيا فاعلا سياسيا مهما، ناهيك عن الهشاشة الأمنية والسياسية والاقتصادية في بعض دول المنطقة، ما يجعلها عرضة لتداعيات كبيرة وتعقيد متزايد في حال تعرض النظام الدولي للاهتزاز.

وفي المشهد الإرهابي، تستغل التنظيمات النشطة في مناطق مختلفة، الانشغال الحالي بأوكرانيا والصدام بين الغرب وروسيا، في إعادة التموضع والعودة للواجهة مجددا. ومن الشرق الأوسط إلى أفريقيا وأفغانستان، يعيش العالم موجة إرهابية لا تزال في طور التشكيل.

هذا المشهد يثير كثير من القلق في المستقبل؛ فإي انسحاب روسي مستقبلي من المشهد في مالي على سبيل المثال، يمكن أن يترك فراغا كبيرا يستغله الإرهاب بصوره المختلفة، والأمثلة على ذلك كثيرة.

حرب المعلومات

بالإضافة إلى النجاح في ساحة المعركة، غالبًا ما يتم ربح الحروب أو خسارتها في معارك المعلومات أو ما يعرف بحروب البروباجندا؛ ففي الصراع بين روسيا وأوكرانيا، كان البعض يتوقع تفوقا روسيا في هذا النوع من الحرب، لكن الغرب وأوكرانيا يملكان اليد العليا، وفق مقال لباول باينز، استاذ التسويق السياسي بجامعة ليستر البريطانية.

باينز أشار إلى تشكيل ما يعرف بالجيش الإلكتروني في أوكرانيا لشن عمليات قرصنة ضد المواقع الروسية، فضلا عن فرض استراتيجية النشر المكثف لمقاطع فيديو تركز على أعداد وتسليح “ووحشية” الجيش الروسي على شبكات الإنترنت.

وتابع أن الإعلام الأوكراني والغربي سلط الضوء على انتصارات تبدو كبيرة ضد قوات روسية أكبر عددا وأفضل تسليحا، وإبراز كييف في صورة “المستضعفة” لحشد الدعم الدولي.

الأرقام تكذب أحيانا

ووفق مراقبين، فإن محور الحرب الإعلامية الغربية ضد موسكو، كان تضخيم الخسائر الروسية في الحرب، وإظهارها بشكل أكبر من الواقع، وتقييد الوصول إلى وسائل الإعلام والمواقع الروسية لتقييد ظهور وجهة النظر الروسية.

ففي الفترة بين ٢٤ فبراير/شباط و٣١ مارس/آذار، روج حلف شمال الأطلسي إلى أن روسيا فقدت 25% من قوتها العسكرية في شهر واحد من المعارك؛ بواقع ما بين ٧ و١٥ ألف قتيل، وضعف هذه الأرقام من المصابين إصابات خطيرة، فضلا عن مئات الدبابات والطائرات.

وهذه الأرقام تفوق المعلن من روسيا بأضعاف مضاعفة، لكنها أيضا تسيل كثيرا من الحبر ومجرد مقارناتها بحروب دموية سابقة يظهر قدر المبالغة والتلاعب؛ فروسيا نفسها فقدت 14 ألف جندي فقط خلال 10 سنوات من الحرب في أفغانسان في سبعينيتات وثمانينيات القرن الماضي.

لا حرمة للحياة الخاصة

كما لعبت آلة إعلامية ضخمة على شيطنة بوتين وروسيا ووصل الأمر إلى استهداف الحياة الخاصة لمسؤولين روس منهم الرئيس نفسه، ووزير الخارجية سيرغي لافروف، والترويج لأخبار مثل وجود ابنة غير معلنة للافروف تعيش في رفاهية مبالغ فيها.

كذلك، الترويج لخلافات بين القيادة ووزير الدفاع سيرغي شويغو وتنحية الأخير جانبا، فضلا عن إبراز ضعف الجبهة الداخلية وغياب التأييد الداخلي للحرب في أوكرانيا، وفق مراقبين.

ورغم تغيير روسيا استراتيجيها العسكرية في الأسبوع الثالث من أبريل/نيسان الماضي، وتحقيقها نجاحات سريعة في الشرق والجنوب، لا تزال سردية الإعلام الغربي تقوم على أن روسيا تنهزم، وتجاهل النجاحات على الأرض، كجزء من حرب الدعاية التي لا تقل حدة أو أهمية عن المعارك القتالية.

ضربات اقتصادية “تحت الحزام”

اقتصاديا، انهالت العقوبات ضد شخصيات ومؤسسات روسية بمجرد اندلاع الحرب الأوكرانية، حيث فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا عقوبات متنوعة على روسيا، أهمها عقوبات على البنك المركزي الروسي وصندوق الثروة السيادي، بالإضافة إلى إزالة بعض البنوك الروسية من نظام “سويفت” للتحويلات المالية العالمية.

وضمت قائمة البنوك “في.تي.بي”، ثاني أكبر بنوك روسيا، إلى جانب بنوك “أوتكريتيه” و”نوفيكوم” و”برومسفياز” وبنك روسيا و”سوفكوم” و”في.إي.بي”.

كما شملت العقوبات تجميد أصول الرئيس فلاديمير بوتين ووزير خارجيته، بالإضافة إلى إدراج سيرجي شويغو وزير الدفاع الروسي، وألكسندر بورتنيكوف رئيس جهاز الأمن الروسي، في قائمة حظر السفر وتجميد الأصول في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

في المجمل العقوبات جمدت 300 مليار دولار من أصل 640 مليارا من احتياطيات روسيا من الذهب والعملات الأجنبية

كذلك أعلن الاتحاد الأوروبي عن حزمة من العقوبات على رحلات الطيران التابعة للشركات الروسية، واعتمد الاتحاد تجميد أصول مملوكة للبنك المركزي الروسي، واستهدفت العقوبات 70% من الأسواق المالية الروسية والشركات الكبرى المملوكة للدولة بما فيها الشركات المملوكة لوزارة الدفاع.

بدورها، فرضت بريطانيا عدة عقوبات إضافية شملت تجميد أصول بنوك روسية واستبعادها من النظام المالي البريطاني، وإصدار قوانين لمنع الشركات والحكومة الروسية من الحصول على أموال من الأسواق البريطانية.

كما منعت مواطنيها والشركات البريطانية من إجراء أي تحويلات مالية مع البنك المركزي الروسي أو وزارة المالية الروسية.

عقوبات أخرى

جمدت ألمانيا منح تصاريح لخط (نورد ستريم2) الروسي المخصص لتصدير الغاز إلى أوروبا. فيما فرضت أستراليا عقوبات على الأثرياء الروس، وأكثر من 300 من البرلمانيين الروس، الذين صوتوا بالسماح بإرسال الجيش إلى أوكرانيا.

كما أعلنت شركة الشحن الدنماركية “ميرسك”، تعليق عمليات الشحن البحري من وإلى روسيا، في استمرار لتعليق عديد الشركات العالمية عملها مع روسيا.

روسيا ترد

الرد الروسي على العقوبات لم يتأخر كثيرا، فمع كل حزكمة ترد موسكو بحزمة مضادة، حيث أعلنت روسيا، إغلاق مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية من 36 دولة سبق أن اتخذت إجراء مماثلا بحقها.

ومنعت روسيا شركة طيران (بريتيش إيروايز) من دخول الأجواء الروسية أو الهبوط في مطارات روسية.

وأصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مرسوما يمنع المواطنين والشركات المحلية من منح ديون خارجية بالعملات الأجنبية أو إيداع عملات أجنبية في حسابات خارج البلاد. كذلك أصدر بوتين قرارا بمنع توريد الطاقة بأي عملة أخرى سوى عملته المحلية “الروبل”.

تعثر وإعادة توجيه

أظهرت بيانات دائرة الجمارك الفيدرالية الروسية (FCS) أنه خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2021، بلغ إجمالي صادرات روسيا إلى العالم 388.4 مليار دولار، بزيادة قدرها 42.8 في المئة عن عام 2020.

وبحسب البيانات كان أكبر خمسة شركاء تجاريين لروسيا مسؤولين عن 86.9 % من إجمالي التجارة خلال تلك الفترة، وهم الصين بقيمة 112.4 مليار دولار، وألمانيا 46.1 مليار دولار، وهولندا 37 مليار دولار، والولايات المتحدة الأمريكية 28.8 مليار دولار.

وبعد الحرب الأوكرانية تعثرت صادرات روسيا النفطية في الأسواق الرسمية لكنها تحركت نحو الحلفاء في آسيا إذ تورد يوميا 1.4 مليون برميل نفط يوميا الى الصين والهند لكن بأسعار أرخص.

الروبل.. أقوى عملة في 2022

فيما يتعلق بالعملة الروسية، مثل قرار بوتين بفرض العملة المحلية “الروبل” على المعاملات التجارية مع الدول الأوروبية، بمثابة دفعة قوية للعملة الأضعف قبل الحرب، إذ كان يعادل 155 لكل دولار.

ونتيجة لذلك، أصبح الروبل الروسي أفضل عملة عالمية منذ بداية عام 2022، متقدمًا على الريال البرازيلي في الترتيب، رغم صحوة يعيشها الدولار الأمريكي، حولت قيود رأس المال التي فرضتها روسيا على عملتها الوطنية الروبل، إلى العملة الأفضل أداءً في العالم هذا العام، وذلك وفقا لتقرير بلومبرج الأمريكية.

وتفصيلا، ارتفع الروبل الروسي بأكثر من 13٪ مقابل الدولار الأمريكي منذ بداية العام، متجاوزا ارتفاع الريال البرازيلي بنسبة 9٪، ليصبح الرابح الأكبر من بين 31 عملة رئيسية تتبعها بلومبرج.

ورغم انتعاش العملة الأمريكية، وتسجيلها مستويات قياسية في الفترة الماضية، لم تتوقف ارتفاعات الروبل الروسي والذي سجل مكاسب جديدة مقابل الدولار واليورو ليصل أعلى مستوياته خلال 5 سنوات وتحديدًا منذ 2017.

حرب الطاقة

أما فيما يخص ملف الطاقة في الحرب الأوكرانية، كان الغاز الورقة الرابحة أولا حيث منعت روسيا الغاز عن 4 بلدان أوروبية لعدم تسديد المقابل بالروبل، وهي هولندا و بولندا وبلغاريا وفنلندا.

أما النفط الذي يواجه حظرا جزئيا في آخر حزمة عقوبات أوروبية ضد روسيا، ارتفعت أسعاره في بداية الحرب الى مستويات قياسية بلغت 137 دولارا للبرميل، وسرعان ما هدأت الأسعار، لكن إصرار الاتحاد الأوروبي على حظر النفط الروسي أعاد الأسعار الى 120 دولارا للبرميل.

من هنا، توقعت وكالة الطاقة الدولية أن تتأثر الأسواق العالمية والاقتصادات الكبرى بالعقوبات ضد روسيا وارتفاع الأسعار، رغم الطلب المتنامي على النفط بعد فتح الأسواق من إغلاقات طويلة إثر جائحة كورونا.

قالت وكالة الطاقة الدولية إن عائدات روسيا النفطية ارتفعت بنسبة 50% منذ بداية العام الحالي، رغم القيود التجارية التي أعقبت غزو أوكرانيا ودفعت العديد من شركات التكرير إلى تجنب الحصول على إمداداتها.

وأوضحت الوكالة، التي يقع مقرها في باريس، في تقريرها الشهري عن السوق في أبريل/نيسان، أن موسكو كسبت ما يقرب من 20 مليار دولار شهرياً منذ بداية العام من المبيعات المجمعة للخام والمنتجات البالغة حوالي 8 ملايين برميل يومياً.

واستمرت الشحنات الروسية في التدفق حتى مع اقتراب الاتحاد الأوروبي من حظر الاستيراد، وتعهد شركات النفط العالمية الكبرى مثل “شل” (Shell Plc) و “توتال إنرجيز” (TotalEnergies SE) بوقف عمليات الشراء. وتظل آسيا عميلاً قوياً، حيث تستقبل الصين والهند شحنات لم تعد مطلوبة في أوروبا.

تهديد واضح

وفي ظل هذه الحرب الاقتصادية الشرسة بين الغرب وموسكو وتبادل الضربات، فضلا عن تعقد الوضع العسكري والاستراتيجي، فإن المستقبل يحمل ويلات وتداعيات صعبة.

ويغزي ذلك المخاوف من استمرار الحرب في أوكرانيا لسنوات طويلة، وما يرتبط بذلك من توترات واضطرابات وتزايد سباقات التسلح في أوروبا، فضلا عن اهتزازات سياسية في مناطق أخرى مثل وسط آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا مدفوعة بانشغال روسي بالوضع في الأراضي الأوكرانية.

كما أن استمرار الحرب في أوكرانيا يحمل تداعيات اقتصادية كارثية تفاقم الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العالم بالفعل منذ جائحة كورونا وارتفاع أسعار الطاقة، إذ تؤثر بشكل مباشر على سوق الحبوب، وتقلل المعروض بشكل مقلق، وترفع الأسعار، ما يهدد بأزمة غذائية في مناطق عدة منها الشرق الأوسط وأفريقيا، سبق وحذر منها مسؤولون غربيون مثل إيمانويل ماكرون رئيس فرنسا.

تمرد من الداخل

لذلك، لم يكن مستغربا أن يتمرد سياسي وخبير مخضرم في الشؤون الخارجية، مثل وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر، على الموقف الغربي من الصراع في أوكرانيا، ويخرج بمقترح لحل سياسي، يشمل تنازل أوكرانيا عن شبه جزيرة القرم لروسيا، وإعلانها الحياد.

ورغم عاصفة الانتقادات التي نالت كيسنجر بعد تصريحاته في منتدى دافوس العالمي قبل أيام، والهجوم الأوكراني على الرجل، لكن حديثه دق ناقوس الخطر، وأبرز عدم جدوى الاستمرار في الوضع الراهن، ولفت الأنظار إلى حل وسط من الممكن أن يجنب العالم ويلات الحرب المستمرة أو الواسعة.

خسارة جماعية

تصريحات كسينجر تعيدنا للحكمة والتساؤل الذين بدأ بهما التقرير، وما حملته المحاور السابقة من إيجابات ضمنية ومباشرة تجعل الأمر واضحا بدون لبس: لن تفرز الحرب الأوكرانية فائزا وخاسرا، وستقود فقط لخسارة عالمية جماعية.

تلك الخسارة الجماعية المتوقعة تحمل ملامح واضحة منها أزمات غذائية في مناطق متفرقة، وتضرر اقتصادي كبير في الغرب وروسيا على حد سواء، والاهتزازات الأمنية والسياسية في عدة مناطق وإلحاق ضرر بالتوازنات السياسية الدولية، ومنح الإرهاب فرصة لاستغلال الفراغ الأمني والسياسي، وإضعاف التركيز على التحديات الاقتصادية والبئية التي تهدد العالم.

في النهاية، فإن استمرار الحرب لروسية الأوكرانية سواء اقتصاديا أو عسكريا أو استراتيجيا، سيجعل العالم خاسرا بكل المقاييس، ولا بد من تحركات سريعة، وتنازلات واضحة من جميع الأطراف، لرسم مخرج سياسي وحل وسط.

المصدر: العين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى