أردوغان وابتزاز حلف الناتو!
من سياسة ابتزاز أوروبا باللاجئين والتهديد بإغراق البحار بهم، إلى ابتزاز العالم بقضية الدواعش المعتقلين لديها، وصولا إلى ابتزاز الحلف الأطلسي (الناتو ) بضرورة وضع وحدات حماية الشعب الكردية على قائمة الإرهاب، باتت سياسة الابتزاز من أهم معالم السياسة التركية في التعامل مع المحافل الدولية ومراكز القرار العالمي.
حلف الناتو وعشية قمته في العام السبعين لتأسيسه، وجد نفسه أمام ابتزاز تركي جديد، مفاده، إما أن تحظى تركيا بدعم سياسي في حربها ضد الكرد باسم مكافحة الإرهاب أو أن تركيا ستعرقل الخطة الدفاعية الجديدة للحلف بشأن دول البلطيق وبولندا، وهي الخطة التي أطلقها الحلف في مواجهة روسيا وضمها لجزيزة القرم في شرقي أوكرانيا عام 2014، حيث طلب الحلف موافقة جميع أعضائه لاعتماد هذه الخطة الجديدة خلال مؤتمره المنعقد في العاصمة البريطانية لندن. ولعل توقيت الطلب التركي حمل رسائل كثيرة، من أهمها:
- إن أردوغان يريد شرعية لعدوانه المستمر على شمال شرقي سوريا، وهو يريد من وراء ذلك شراء صمت العالم إزاء الجرائم التي ترتكبها القوات التركية ضد أهالي شمال شرقي سوريا، والتي كانت آخرها المجزرة التي ارتكبتها القوات التركية في بلدة تل رفعت (شمال حلب) والتي راحت ضحيتها عشرات الضحايا من شهداء وجرحى، معظمهم من الأطفال في ظل ارتفاع الأصوات الدولية المنددة بهذه الجرائم والداعية إلى وضع حد لها.
- إن دعوة أردوغان هذه تشكل رسالة قوية لروسيا بأن تركيا باتت بمثابة حصان طروادة داخل الحلف، وأنها باتت قادرة على عرقلة خطط الحلف من الداخل لصالح روسيا وصراعها التاريخي مع الحلف على مناطق النفوذ مقابل أن تساير روسيا خطط وأجندة أردوغان في شمال شرقي سوريا.
- إن دعوة أردوغان تشكل أيضا رسالة خاصة لفرنسا ورئيسها ماكرون الذي انتقد بشدة العدوان التركي ودخوله في ملاسنة مع أردوغان حول هذا العدوان والحلف، عندما قال إنه بات في موت سريري ، ليرد أردوغان على ماكرون بالقول إنه (ماكرون ) في موت دماغي، وهو ما دعا باريس إلى استدعاء السفير التركي لديها، وهو في العمق اشتباك تركي–أوروبي يريد أردوغان منه تغليب طابع المصالح والصفقات مع تركيا لصالح استمرارها في إبادة الشعوب المتطلعة إلى الحرية في منطقة الشرق الأوسط.
- إن الرسالة التركية موجهة أيضا للولايات المتحدة، بأن تركيا قادرة على لعب دور الشرطي الأمريكي لإجبار أوروبا على الخضوع للسياسة الأمريكية بخصوص خطط الحلف الاطلسي، ولاسيما في ظل ارتفاع الأصوات الأوروبية الداعية إلى تشكيل قوة دفاعية مستقلة، حيث تتزعم كل من فرنسا وألمانيا هذه الدعوة في ظل الخلافات البينية بين دول الحلف وإصرار دونالد ترامب على تلزيم الدول الأوروبية بميزانيات جديدة لصالح تمويل الحلف وخططه، ولعل الرسالة التركية-الأمريكية المشتركة هنا، هي أن أوروبا ما زالت عاجزة بمفردها عن الدفاع عن نفسها، وهذه سياسة يريد أردوغان منها ممارسة المزيد من الابتزاز ضد أوروبا وانتقادها للسياسة التركية.
في الواقع، من الواضح أن الحلف الأطلسي بات يعاني من الانقسام، كما بات واضحا أن أردوغان بات يغرد خارج الحلف وسياسته وأجندته، وهو ما يطلق التحدي الأكبر أمام الحلف في كيفية إتباع سياسة واحدة، منسجمة مع توجهات كل أعضاء الحلف في كيفية التقارب من القضايا المثارة عالميا.
والثابت هنا، أن التباين، إن لم نقل الصدام، بات واضحا بين تركيا وبقية أعضاء الحلف بشأن كيفية التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) إذ إن هذه القوات هي في تحالف ميداني على الأرض في الحرب ضد داعش والمشاريع الإقليمية لروسيا وإيران في سوريا، وهذا التحدي يفرض على الحلف اتخاذ سياسات واضحة تضع حدا لسياسة الابتزاز التركي، إذ لا يعقل أن يرضخ الحلف لأجندة أردوغان التي تتعلق أولا وأخيرا بالاحتلال والسيطرة والهيمنة تحت عناوين “العثمانية الجديدة”.
والخلاف التركي مع الحلف يتجاوز الكرد إلى قضايا الطاقة والأمن في البحر الأبيض المتوسط ولاسيما بعد الاتفاقات التي وقعها أردوغان مع رئيس المجلس الانتقالي في ليبيا فايز السراج بشأن التعاون العسكري والأمني وترسيم الحدود البحرية في المتوسط، حيث شكلت هذه الاتفاقيات استفزازا لليونان وأوروبا ومصر، خاصة وأن الاتفاق غير شرعي، نظرا لأن السراج وقع هذه الاتفاقيات دون حضور بقية أعضاء المجلس، خاصة وان ستة أعضاء من المجلس استقالوا من أصل تسعة، وكذلك دون موافقة البرلمان.
في الواقع، سياسة الابتزاز التركية باتت تشكل حرجا كبيرا لدول حلف الناتو ولاسيما الدول الأوروبية، وهو ما يطرح السؤال إلى متى سيساير الحلف ابتزاز أردوغان هذا؟ ومتى سينفد صبر الحلف ويلجأ إلى سياسة العقاب ضد تركيا ولاسيما في ظل تعالي الأصوات الداعية إلى إخراج تركيا من الحلف؟
خورشيد دلي