درعا.. صراع على النفوذ وفتح المعابر وخطوط الغاز
درعا تلك المساحة الصغيرة من سوريا، لم تغبْ عن المشهد السوري منذ 10 سنوات. فمنها انطلقت شرارة الأزمة في سوريا، وفيها تقاطعت مصالح العديد من القوى المتدخلة، ولكن يبدو أن وضع درعا سيبقى هكذا إلى فترة أخرى، رغم دخول قوات حكومة دمشق بدعم روسي مؤخراً إليها.
فمحافظة درعا، تتميز بموقع جغرافي استراتيجي؛ فهي امتداد طبيعي للأردن، وتوصل الجنوب السوري بالداخل، ومنها يمر الطريق التجاري الواصل بين سوريا والأردن، وعلاوة على ذلك فهي تقع على الحدود السورية الإسرائيلية، ولذلك فهي تتمتع بأهمية قصوى لدى مختلف الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية.
ما بعد اتفاق الجنوب؟
الكل يعلم أن الانتفاضة أو الثورة السورية، انطلقت من محافظة درعا عام 2011، وفي هذه المحافظة تعاظمت قوة المجموعات المسلحة، بسبب الدعم الكبير الذي تلقّته من القوى التي تدخلت مبكراً في الثورة السورية، كالولايات المتحدة وبريطانيا، والإمارات وقطر والأردن والسعودية. وذلك عبر ما عُرِف وقتها بغرفة “الموك”.
هذا الدعم الخارجي، أفضى إلى سيطرة المجموعات المسلحة على مساحات كبيرة من أراضي المحافظة، التي تحولت إلى ساحة صراع بين قوات حكومة دمشق والقوى المتدخلة. وظلَّ الوضع على حاله، حتى حصلت المقايضات بعد أن تم إنشاء مجموعة أستانا بين روسيا وتركيا وإيران بداية عام 2017 لتحقيق مصالح الأطراف الثلاثة في سوريا على حساب شعبها.
وعلى وقع المقايضات التركية الروسية، سلّمت المجموعات المسلحة صيف عام 2018 المنطقة إلى حكومة دمشق وروسيا، التي كانت قد سبق وأعادت سيطرة قوات حكومة دمشق على مدينة حلب، عبر صفقة قذرة مماثلة مع تركيا، احتلت بموجبها الأخيرة مدن جرابلس والباب وإعزاز في ريف حلب، وسمحت باحتلال تركيا لعفرين مقابل السيطرة على الغوطة الشرقية.
هذا الاتفاق، أو كما يتم تسميته بتسوية الجنوب، جاء بعد اجتماع لمسؤولي الأمن القومي في كل من أميركا وروسيا وإسرائيل، أي أن الاتفاق حصل بمباركة أميركية إسرائيلية.
وتضمّن الاتفاق تسليم أسلحة ثقيلة لقوات حكومة دمشق، واحتفاظ المسلحين بالأسلحة الفردية والخفيفة، ودخول قوات دمشق والأمن إلى محافظة درعا، باستثناء بعض المناطق. ونتيجة للاتفاق، تم نقل الآلاف من معارضي الاتفاق من منازلهم إلى شمال سوريا الذي تحتله تركيا.
انتهت المشاهد السابقة، بمجرد دخول قوات حكومة دمشق يوم الأربعاء 9 أيلول 2021 إلى المناطق الرئيسية في درعا في جنوب غرب البلاد بعد 10 سنوات. وبحسب وكالة سانا الناطقة باسم حكومة دمشق، فإن الأعلام السورية رُفِعت فوق المباني الحكومية في المدينة.
ما الذي تبحث عنه حكومة دمشق في درعا؟
بعد تسوية عام 2018 تمكنت حكومة دمشق من السيطرة على بعض المناطق، لكن بعض المناطق الأخرى مثل درعا البلد، لم تستسلم تحت ضغط الحكومة وأعلنت معارضتها لها، من خلال المظاهرات والإضرابات العامة والاحتفالات بالذكرى السنوية للثورة التي انطلقت من درعا. وقد أثارت مقاطعة سكان هذه المناطق للانتخابات الرئاسية الأخيرة في أواخر أيار/ مايو، غضب دمشق كثيراً.
وبعد تلك الانتخابات، زادت رغبة حكومة دمشق في إعادة السيطرة على هذه المنطقة، حتى لا تصبح نواة جديدة لخروج الشعب ضد سلطتها. خصوصاً مع تعمق الأزمات الاقتصادية والمعيشية في مناطق سيطرتها، وزيادة سطوة أجهزتها الأمنية، إضافة إلى رغبتها في إرسال رسالة إلى المجتمع الدولي، بأنها أعادت سيطرتها على البلاد ليتم الاعتراف بها مرة أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، كان هناك شعور بالقلق أيضاً من أن تقرر إسرائيل، ومن ورائها أميركا وبريطانيا، تفعيل الجبهة الجنوبية في المستقبل وتستخدم الأسلحة ضد قواتها.
إيران وجنوب سوريا
قبل اتفاق التسوية عام 2018، كان هناك اتفاق بين روسيا وإسرائيل وأميركا، يتضمن توقف الولايات المتحدة والغرب عن دعم المسلحين في جنوب سوريا. وفي المقابل، ستتكفل روسيا بسحب القوات الإيرانية والمجموعات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني من جنوب سوريا، إلى بعد 80 كيلومتراً على الأقل من المناطق الحدودية مع إسرائيل والأردن.
وعلى الرغم من أن إيران استجابت أولاً لطلب روسيا وغادرت جنوب سوريا، إلا أنه لم يمضِ وقت طويل قبل أن تتخذ عدة خطوات للعودة وتعزيز نفوذها في المنطقة. وشملت تلك الخطوات توزيع المساعدات النقدية وغير النقدية، وتوفير الخدمات الطبية والتعليمية لإنشاء قاعدة شعبية لأنفسهم، وتجنيد الشباب المطلوبين من قبل قوات الأمن ضمن صفوف مجموعات كانت تدعمها، إلى جانب سعيها لتشكيل مجموعات محلية، من خلال استغلال سبل العيش السيئة، وتقديم وعود مثل الحصانة من أي ملاحقة قضائية من قبل قوات الأمن، وعدم الانتشار في ساحات خارج المحافظة.
وفي هذا السياق، يقول الباحث السياسي السوري محمد حمادة: “على الرغم من ذلك، لم يحقق الحرس الثوري الكثير من النجاح في إنشاء قاعدة شعبية، من خلال الفرقة الرابعة والأجهزة الأمنية، بما في ذلك القوات الجوية”.
وفي الواقع، كان من الواضح إن إيران لن تقبل بهذا الاتفاق على المدى الطويل. لأن التواجد في المنطقة الاستراتيجية في جنوب سوريا والمناطق الحدودية مع إسرائيل، هو أحد أهدافها الاستراتيجية في سوريا. وتريد إيران تحويل المنطقة إلى منصة مماثلة لجنوب لبنان لنفسها، واستخدامها كبطاقة رابحة في مفاوضاتها مع الغرب.
وكان أحد أسباب التصعيد الأخير في درعا، رغبة إيران المتزايدة بحسم موضوع درعا البلد عسكرياً، كي تتمركز المجموعات لها هناك.
حتى بعد الاتفاق الأخير، وردت أنباء غير مؤكدة تفيد بأن إيران تحاول إعادة توطين مجموعاتها في المنطقة، وتغيير نسيجها الديمغرافي في الأيام الأخيرة. ولعل هذا هو السبب في أن اللجنة المركزية في درعا حذرت في بيان قبل بضعة أيام، من هيمنة إيران على جنوب سوريا.
إيران وروسيا في جنوب سوريا: منافسة أم تقسيم العمل؟
وجدت إيران لها تمركزات في جنوب سوريا، ولا يمكن لأحد إنكار ذلك. ولهذا السبب، يعتقد البعض أن روسيا فشلت في الوفاء بالتزاماتها، وفشلت في منع إيران من التواجد في المنطقة. بل على العكس من ذلك، يعتقد البعض أن موسكو تستغل الوجود الإيراني في درعا لابتزاز الغرب، والحصول منهم على تنازلات، وخصوصاً فيما يخص ملف إعادة الإعمار في سوريا، ورفع بعض العقوبات عنها.
وفي هذا السياق يقول د.محمد رشيدي، الباحث السوري: “إن الهجمات التي شنتها الحكومة السورية بدعم من إيران، وبالقرب من حدود إسرائيل، لم تكن ممكنة لولا الضوء الأخضر من روسيا. ويبدو أن روسيا عازمة على لعب دور الوساطة بين الحكومة السورية والمعارضة، بعد أن تمكنت من تعزيز الأسد في السلطة”.
ويشير رفض موسكو تقديم الدعم الجوي لحكومة دمشق في العمليات الأخيرة في درعا إلى أن روسيا لا تريد أن تستولي حكومة دمشق على هذه المنطقة الاستراتيجية بمعزل عن سيطرتها، لأنه في هذه الحالة، سيتم تعزيز موقف إيران في جنوب سوريا على حسابها، وهذا الأمر قد يضر بتفاهماتها مع الغرب وإسرائيل ويثير غضب واشنطن.
كما أرادت موسكو أن تظهر نفسها كجانب موثوق به في سوريا، وأن تقنع الولايات المتحدة بتخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على حكومة دمشق.
مصالح روسية
وهناك مصلحة روسية أخرى تريد تحقيقها بالاستفادة من التصعيد الأخير، وهذا الهدف يكمن في تعزيز اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس، المدعوم منها. وتجنيد الشباب المعارضين لوجود إيران في درعا.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك أهداف مشتركة بين موسكو وطهران، فكلاهما تحاولان ضمان عدم قيام المسلحين المحليين في المناطق المحاصرة، بشنّ عمليات واسعة النطاق ضد حكومة دمشق في المستقبل، حتى تحافظا على الاستقرار في الجنوب السوري، وهذا الاستقرار في النهاية يصبُّ في مصلحة فتح المعابر مع الأردن. وبالتالي توفير السيولة اللازمة لحكومة دمشق لتغطية بعض النفقات، وتأمين بعض المواد المفقودة في مناطق سيطرة حكومة دمشق.
ولعل الاجتماع الأخير بين ممثلين عن مصر وسوريا والأردن ولبنان، لإيصال الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا والكهرباء من الأردن إلى لبنان أيضاً عبر سوريا، كان أحد أهداف روسيا ورغبتها في تخفيف بعض الضغط على حكومة دمشق، وتوفير الغاز الضروري لتوليد الكهرباء، مما يقلل من حنق الشعب على حكومة دمشق.
واللافت كان حديث وزير النفط والثروة المعدنية في حكومة دمشق، بسام طعمة، عن خط الغاز العربي، وقوله إنه جاهز داخل سوريا لنقل الغاز المصري إلى لبنان، وتأكيده أنهم سيحصلون على مقابل لقاء السماح بمرور الغاز.
وأشار أن الاتفاق مع الجانب المصري “يقضي بأن يتم دفع أجور نقل الغاز المصري عبر الأراضي السورية إلى لبنان، إما نقداً أو كميات معادلة من الغاز وهذا ما كان يحصل”.
وأوضح أن حكومة دمشق ستستفيد من إعادة تفعيل خط الغاز من خلال الحصول على كميات من الغاز لدعم توليد الطاقة الكهربائية.
ويبلغ طول خط الغاز العربي 320 كم من الحدود الأردنية إلى الريان وسط سوريا، بقطر 36 إنشاً واستطاعة نقل 10 مليارات متر مكعب سنوياً، والخط باتجاه لبنان من الريان إلى الدبوسية بطول 65 كم، وقطر 24 إنشاً. وداخل الأراضي اللبنانية إلى محطة دير عمار نحو 36 كم.
المصدر: ANHA.