تحركات مكثفة في سوريا.. هل يتحول التصعيد السياسي إلى تصعيد ميداني واسع؟
تشهد منطقة ما تسمى خفض التصعيد والتي تضم أجزاء من (إدلب وحلب واللاذقية وحماة) توترًا وتصعيدًا مستمرًا ارتفعت حدته منذ بداية تموز/ يوليو الماضي.
وعقب محادثات سوتشي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب أردوغان، صعّدت قوات حكومة دمشق بدعم روسي من القصف على ريف إدلب.
هذا التصعيد، قابله استمرار إرسال قوات الاحتلال التركي للتعزيزات إلى أرياف إدلب، حيث دخلت في يوم واحد، قبل أيام، نحو 200 آلية عسكرية للاحتلال التركي إلى سوريا من معبر خربة الجوز في ريف إدلب الغربي على دفعتين، وانتشرت في كل من ريف إدلب الغربي وجبل الزاوية.
وتزامن ذلك مع تهديدات تركية بشن هجمات على شمال وشرق سوريا، حيث سعى الرئيس التركي رجب أردوغان لتمهيد الأرضية لتنفيذ تهديداته.
وتعقد دول أستانا (روسيا، وتركيا، وإيران) والتي تطلق على نفسها اسم “الدول الضامنة”، منتصف الشهر المقبل، الاجتماع الـ17 لها، بحضور وفدي دمشق والمجموعات التابعة لتركيا كمتفرجين وشاهدين على ما يتم التوافق عليه بين الدول الثلاث المتدخلة في سوريا.
توتر علاقات القوى الإقليمية والدولية يدفع إلى هذه التطورات
وفي هذا السياق يقول الصحفي والمحلل السياسي السوري مالك الحافظ: “الخلافات الروسية – التركية في شمال غرب سوريا وتوتر العلاقات الأميركية – التركية في الملف السوري، امتدادًا لملفات أخرى شائكة بين الطرفين هو الذي يدفع إلى هذا التطور المتسارع”.
وأوضح أن “الجانبين، الروسي والتركي، يسعيان إلى أن يكون هناك اتفاق دائم في إدلب، هذا الاتفاق هو معرقل بسبب وجود عائق كبير وهو ملف الجماعات الإرهابية، لم يتم حل هذا الملف وأيضًا جانب هيئة (تحرير الشام) هو جانب معرقل كبير لإنهاء هذا الملف”.
وأضاف الحافظ: “تركيا تحاول أن تحافظ على علاقة ما مع جانب (تحرير الشام) التي لها قوة ضاربة في الشمال الغربي وهذا ما يعرقل أي توافق تام؛ لذلك نرى هذه التحركات. تركيا تحاول أن تلوح بالتهديد لمناطق شمال وشرق سوريا بسبب علاقتها السيئة مع أميركا، وأيضًا عدم وصولها إلى تفاهمات مع روسيا. روسيا أيضًا تحاول أن تدفع بعض القوات الحكومية إلى الشمال الغربي؛ لأنها غير راضية وحتى إلى الشمال الشرقي”.
رسائل روسية لتركيا
ودفعت قوات حكومة دمشق قبل أيام بتعزيزات عسكرية وبشرية ضخمة، إلى مناطق في ريف مدينة الباب شمال شرق حلب التي تحتلها تركيا، برفقة طائرات مروحية روسية.
وحول ذلك، رأى الحافظ أن “هناك حشود للقوات الحكومية إلى الشمال الغربي والشمال الشرقي وهذه القوات تتحرك بأمر من روسيا. من جانب الشمال الغربي؛ فروسيا تريد أن تلوّح برسائل مباشرة وغير مباشرة للجانب التركي. هذه الرسائل فحواها أن روسيا غير راضية عن السلوك الحالي للأتراك فيما يتعلق بملف الجماعات الإرهابية”.
أما في الجانب الشمال الشرقي السوري، وبحسب الحافظ، فإن “روسيا لن تقبل بوصول نفوذ تركي أوسع إلى المنطقة، هي ليست بوارد الدفاع عن مصالح قسد والإدارة الذاتية بقدر ما هي مهتمة بأن يكون هناك مصلحة أوسع لها في الشمال الشرقي، هي تحاول استغلال غياب رؤية أميركية واضحة، وأيضًا الجانب الأميركي، أعتقد أن له توضيح أكثر خلال الفترة المقبلة القريبة فيما يتعلق بالجانب الشمال الشرقي والملف السوري بالعموم”.
وأشار الحافظ إلى أن من الطبيعي أن تكون هناك حشود وتعزيزات في منطقة الباب والمناطق القريبة منها والتي تحتلها تركيا، وكذلك في تل أبيض وسري كانيه المحتلتين لأنها “مناطق تماس”، الآن هذه الرسائل مناسبة فيما يتعلق بالوضع الحالي الذي هو عبارة عن تصعيد سياسي بلغة عسكرية”.
وأوضح أن “الوضع متأزم فعلًا لكن ما زالت هناك إمكانية لتدارك هذا الخلاف، وهذا التدارك معقد جدًّا لكنه ليس صعبًا وروسيا ماضية به، التدارك يكون عبر التوافق مع أميركا وهذا حاصل منذ شهر حزيران الماضي، لكن التوافق الأميركي – التركي هو أمر معقد جداً”.
ورأى أن “هناك احتمالية أن يكون التقارب الأميركي – الروسي أكبر، وبالتأكيد لن يؤدي إلى خلاف كبير بين روسيا وتركيا”، وأعتقد أن “تركيا من سيكون لها دور أقل في الفترة المقبلة إذا ما استمرت إدارة بايدن على موقفها في دعم مناطق شمال وشرق سوريا ضد أي هجمات تركية، وأيضًا إصرار بايدن على أن تكون هناك علاقة بمستوى منخفض مع تركيا؛ لأن لدى أميركا عدة مطالب فيما يتعلق بعدة ملفات”.
تحرك محتمل لدمشق باتجاه أرياف إدلب واللاذقية
وقال الحافظ: “أي قوات تابعة لدمشق ستتحرك فقط باتجاه إدلب، وهذا التحرك أيضًا مرهون باتفاقات مع تركيا، وسيكون باتجاه ريف اللاذقية الشمالي. شهدنا مؤشرات غريبة حول وصول (تحرير الشام) إلى مناطق تابعة (للجهاديين الشيشانيين)، وأعتقد أن المرحلة المقبلة هي وصول القوات الحكومية إلى ريف اللاذقية الشمالي، أو أيضًا بعض مناطق ما تبقى من ريف إدلب الجنوبي المحيط بالـm4 “.
وحول حدود الخلاف الروسي – التركي قال الحافظ: “ما زال ضمن حدود الرسائل المتبادلة التي يجب أن تلقى أثرًا عند الطرف الآخر، تركيا تبدي انزعاجها من روسيا فتذهب إلى أوكرانيا وتعلن مواقف معينة ضد روسيا التي أيضًا تعلن مواقف معينة ضد تركيا سواء في ليبيا أو أذربيجان”.
أما في سوريا، فبحسب الحافظ “هناك خلاف على موضوع الجماعات الإرهابية في الشمال الغربي، أما في الشمال الشرقي فهناك خلاف. لكن الخلاف ليس على أن روسيا تريد منع تركيا وأن تركيا تريد منع روسيا لا، الخلاف هو فقط على تقاسم النفوذ. والوجود الأميركي في هذا الوقت بالتحديد هو عامل مهم جدًّا، الوجود الأميركي يعدل الكفة دائمًا فيما يتعلق بالاستقرار في المنطقة”.
وأوضح الحافظ أنه “عندما تقصف روسيا وتقول لا نريد تحركًا تجاه مناطق الشمال السوري، فهي تريد أن يكون لها نفوذ جديد في بعض المناطق على حساب مناطق أخرى، هو أمر يتعلق بمبادلة مناطق النفوذ والمقايضة فقط، ولا يتعلق بأن هناك خلاف قد يتفجر. العامل الذي سيؤدي إلى أي خلاف روسي – تركي في سوريا بالتحديد هو الجانب الأميركي فقط. الجانب الأميركي إذا ما أعطى امتيازات أكثر لروسيا، فإن هذا الأمر قد يساعد على تحديد شكل ودور التحرك التركي في الشمال السوري”.
موازين القوى اختلفت
وحول ارتباط ذلك بنتائج لقاء أردوغان وبايدن الأخير، قال الحافظ: “بغض النظر عن الأيام التي تلت لقاء بايدن – أردوغان، فحتى الآن لم نشهد نتائج مباشرة سوى في أمر واحد وهو بملف شمال وشرق سوريا، والتهديدات التركية العلنية والمباشرة التي تكررت على لسان عدة مسؤولين، لم نعد نسمع بها كما في الفترة الماضية القريبة بحدة ولهجة شديدة”.
وأضاف: “ما جرى خلال لقاء بايدن وأردوغان، أنه يجب الدفع إلى استقرار المنطقة ويجب ألا تكون عملية عسكرية مهما كانت محدودة أو واسعة، لم يفصح عن أشياء يمكن الخوض بها عمليًّا، لكن ما يجب أن نشير إليه هو وقف التهديدات بأي عملية عسكرية تركية في شمال وشرق سوريا، وأيضًا نقطة مهمة هي إشارة وزير الخارجية التركية جاويش أوغلو إلى أن هناك مجموعة عمل مشتركة بين أميركا وتركيا”.
وبحسب الحافظ “عندما نقول إن هناك مجموعة عمل يعني أن هناك أعمال دبلوماسية ولجان فنية وتقنية تبحث الملفات المستعصية والشائكة بين الجانبين. يعني أن هناك إمكانية للاحتواء وهذا الاحتواء بالتأكيد جاء من عامل قوة لدى الجانب الأميركي وليس عامل ضعف. وبالتأكيد جنوح الطرفين إلى أعمال حوارية مشتركة يعني أن هناك تهدئة في الملف السوري. وأعتقد أن الأمور ذاهبة إلى الاستقرار، لا عمليات عسكرية ولا تهديد”.
ورأى الحافظ أن “تركيا لم تأخذ الضوء الأخضر، لا من موسكو ولا من واشنطن، بالتأكيد الضوء الأخضر مثل ما حصل في عفرين منذ 3 أعوام، لا يمكن له أن يتكرر لعدة أسباب. موازين القوى اختلفت وتموضع وانتشار القوات الحكومية اختلف بين عام 2018 و2021، وجود إدارة أميركية جديدة هذا عامل مؤثر جدًّا على اتخاذ القرارات التركية وتنفيذها فعلًا”.
بحث عن حفظ ماء الوجه
وحول إمكانية تنفيذ التهديدات التركية، قال الحافظ: “لا يمكن أخذ ضوء لا من روسيا ولا أميركا. روسيا تستغل التهديدات التركية من أجل أن تتمدد قليلًا في الشمال الشرقي. بالتأكيد أميركا لن تكون راضية، ليس لأن هناك خلاف روسي – أميركي بقدر ما سيكون هناك اختلال لموازين القوى في المنطقة”.
وأوضح أنه “لا يمكن تنفيذ التهديدات التركية ولا عملية عسكرية، وإن كانت فلن تكون في الفترة الحالية، وسيقتصر الأمر حاليًّا على محاولة حفظ ماء الوجه لمن قام بالتهديد عبر مناوشات فقط، وهي تحصل عند خطوط التّماس بشكل دائم”.
عوامل تسخين لن ترقى إلى تصعيد واسع
وحول مسار الأحداث، قال الحافظ: “تسير الأمور إلى إبقاء الوضع على ما هو عليه، كما تريد إدارة بايدن. إلى الآن لا توجد سياسة صارمة تجاه سوريا، قد يكون هناك تغيّر ما في سياسة واشنطن المتعلقة بالتعامل مع حكومة دمشق بالتحديد، وسياسة العقوبات ومحاولة تقديم أدوات ترغيب لا ترهيب كما حصل خلال إدارة ترامب”.
واختتم الصحفي والمحلل السياسي السوري مالك الحافظ حديثه قائلًا: “التحركات والتطورات الحاصلة هي عوامل تسخين لكنها لن ترقى إلى أن تكون تصعيدًا واشتباكًا واسعًا”.
المصدر: ANHA.