مسار أستانا.. 20 جولة غيّرت مفاصل حياة السوريين وفق مصالح رعاتها وترقّب لنتائج الجولة المقبلة
كانت الجولة الأولى من اجتماعات مسار أستانا قد عُقدت في الـ 23 من كانون الثاني عام 2017، وكان من أبرز نتائج هذه الاجتماعات المساهمة في تقسيم الأراضي السورية إلى مناطق نفوذ تحت مسمى “خفض التصعيد” تحت إشراف دول مختلفة، والإسهام في تعويم حكومة دمشق، وإطلاق يد دولة الاحتلال التركي بشكل أكبر لاحتلال الأراضي السورية.
وخلال هذا التقرير، سنسرد أهم ما جرى خلال جولات اجتماعات أستانا التي عقدت، وأبرز النتائج التي تمخضت عنها، على حساب السوريين أرضاً، وشعباً.
20 جولة.. كيف عقدت؟ وماذا أنتجت؟
الجولة الأولى عقدت في الـ 23 – 24 من كانون الثاني عام 2017: كانت الجولة بداية لتقاسم النفوذ بين (روسيا وتركيا وإيران)، بعد التفاهمات التي جرت في الـ 29 من كانون الأول عام 2016 حيث كانت الحلول المقترحة تستند إلى نموذج حلب الذي باعت تركيا فيه مرتزقتها لحكومة دمشق وروسيا، وفي ختام الجولة الأولى، أُعلن الاتفاق عن إقامة آلية ثلاثية لمراقبة الالتزام الكامل بوقف إطلاق النار، لكن ما اتفقوا عليه لم يحصل، وظلت الاشتباكات والقصف مستمراً.
الجولة الثانية في منتصف شباط: رغم الإعلان الروسي عن توصل الجولة الثانية إلى إنشاء “آلية حازمة” لمراقبة وقف إطلاق النار، فإن سقف طموحات هذا الاجتماع كان أعلى بكثير حين اختتام سابقه، إذ كان يدور الحديث حول إعداد اللمسات النهائية على خريطة انتشار مرتزقة «جبهة النصرة» في الأراضي السورية، استعداداً لفصل «المعتدلين» عنها بهدف محاربتها لاحقاً، ولكن لم يحدث هذا بسبب دعم أحد الأطراف التي تسمى ضامنة – تركيا- لمرتزقة جبهة النصرة.
الجولة الثالثة في منتصف شهر آذار 2017: لفت البيان الختامي إلى أن “الدول الضامنة” اتفقت على تشكيل لجان لمراقبة الهدنة والخروقات، ولجان لمتابعة ملف المساعدات، ولجان لملف الأسرى والمعتقلين، إلى جانب اقتراحٍ بتشكيل لجنة لصياغة الدستور السوري، ولكن لم يتغير أي شيء على أرض الواقع، إذ استمر القتل والقصف والاشتباكات والتجويع.
الجولة الرابعة في مطلع شهر أيار 2017: تمخضت عن الاتفاق على تحديد مناطق ما تسمى (خفض التصعيد)، وشملت إدلب والغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي وجنوب سوريا لمدة 6 أشهر، لكن إراقة الدماء السورية استمرت، وبعد الجولة الرابعة من أستانا بدأت كافة جبهات القتال ضد حكومة دمشق بالتوقف بأوامر تركية، وبالتالي تفرّغت قوات دمشق وروسيا للسيطرة على “مناطق خفض التصعيد” الأربعة، الواحدة تلو الأخرى تباعاً، وتم نقل المرتزقة الذين رفضوا توقيع وثائق الاستسلام إلى إدلب التي تسيطر مرتزقة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) المصنفة على لائحة الإرهاب الدولي على 90 % من مساحتها.
الجولة الخامسة في مطلع شهر تموز: اختُتمت من دون التوقيع على وثائق، وتم تأجيل إبرام الاتفاق حول إقامة 3 مناطق خفض تصعيد في محافظة إدلب وحمص والغوطة الشرقية، بشكل مؤقت، كما لم تتمكن أطراف محادثات أستانا “روسيا وتركيا وإيران” من تنسيق حدود تلك المناطق.
الجولة السادسة في منتصف أيلول: حققت الجولة السادسة مصالح الدول الضامنة، فروسيا استطاعت أن تخفف هجمات المرتزقة على دمشق، وبالتالي ساعدت الأخيرة في استعادة مناطق جديدة وفرض الحصار على مناطق أخرى وتجويع سكانها، وجعل المرتزقة فيها يستسلمون.
الجولة السابعة في الـ 30 من تشرين الأول عام 2017: انتهت من دون تحقيق نتائج تُذكر، حيث لم تصل الأطراف المشاركة لأي توافق فيما يخص إطلاق سراح المعتقلين وتبادل الأسرى، وفي إيصال المساعدات بشكل متواصل إلى السكان في المناطق المحاصرة.
الجولة الثامنة في 21 كانون الأول أيضاً من العام نفسه: تمخضت عن تحديد موعد مؤتمر في سوتشي بروسيا، وكانت الدول الراعية لأستانا قد ركزت في هذه الجولة، على تقريب وجهات النظر بشأن الخطوط العريضة للمبادرة الروسية الرامية إلى أن تكون بديلاً عن منصة جنيف التي فشلت في إحداث أي خرق نتيجة استعصاء التوافق على جملة من الملفات.
واستغلت تركيا هذه الاجتماعات لاحتلال عفرين عبر عقد صفقات مع روسيا، إذ تم إفراغ الغوطة الشرقية من مرتزقة تركيا لقاء السماح لتركيا باحتلال عفرين.
الجولة التاسعة في الـ 14 من أيار عام 2018: أصدر الثلاثي، في ختام الجولة، بياناً مشتركاً أكدت فيه روسيا وتركيا وإيران استعدادها لمواصلة الجهود المشتركة لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2254، ودعم تنفيذ توصيات “مؤتمر الحوار الوطني السوري” في سوتشي، وبدأت روسيا لترويج مسوّدة دستور كتبها خبراء روس.
الجولة العاشرة في الـ 30 من تموز عام 2018: اتفقت الدول الثلاثة المتدخلة في سوريا على “مساعدة السوريين” في استعادة حياتهم الطبيعية، وبدء المحادثات لمساعدة النازحين واللاجئين في العودة، ولكن أيًّا من ذلك لم يتحقق، بل استمر القتل والتدمير والنزوح.
الجولة الحادية عشر في الـ 28 من تشرين الثاني عام 2018: لم تصل الجولة إلى أي نتائج، فكان من المفترض أن تناقش الأطراف تشكيل اللجنة الدستورية، ولكن المحادثات فشلت في بدايتها بسبب خلاف بين روسيا والمبعوث الأميركي إلى سوريا آنذاك جيمس جيفري.
الجولة الثانية عشر في الـ 25 من نيسان عام 2019: لوّحت خلالها حكومة دمشق بشن عملية عسكرية على إدلب التي تجمّع فيها المرتزقة من كافة أنحاء سوريا.
الجولة الثالثة عشر: انتهت ببيان يشبه الذي قبله، دون قرارات ملموسة فيما يتعلق بالتقدم في ملف ما تسمى اللجنة الدستورية، الذي صدرت تصريحات متناقضة من الأطراف المشاركة بخصوص إنجازه، الخلافات بين روسيا وإيران تزايدت حول مشاركة روسيا في اجتماع القدس الأمني بين روسيا وأميركا وإسرائيل، وموافقتها على استمرار الضربات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية داخل الأراضي السورية.
الجولة الرابعة عشر في العام ذاته: اختتمت في العاصمة الكازاخية نور سلطان، دون أن تحمل معها أي جديد نوعي سوى معاداة الكرد وعموم مكونات شمال وشرق سوريا، سمح فيها احتلال مناطق الإدارة الذاتية سري كانيه وكري سبي بشمال وشرق سوريا في تشرين الأول من العام نفسه 2019.
الجولة الخامسة عشر في الـ 23 من نيسان عام 2020: خرج المجتمعون ببيان فضفاض حول الأوضاع في الشمال الغربي من سوريا، كما جرت العادة في أغلب اجتماعات المسار الأخيرة، والتي لم تؤدّ إلى إنهاء التصعيد. وخلال الجولتين 14 و15 جرت أحداث وتطورات ميدانية مهمة في إدلب ومحيطها، إذ سيطرت دمشق على كامل ريف حلب الجنوبي وجانب كبير من ريف حلب الغربي، كما سيطرت على قسم كبير من ريفي إدلب الجنوبي والشرقي، لا سيما مدينتي سراقب ومعرة النعمان، بالإضافة إلى محاصرة المزيد مما تسمى بالنقاط التركية القديمة والجديدة في محيط إدلب.
الجولة السادسة عشر في الـ 7 – 8 من تموز 2020: خرجت ببيان ختامي لا يختلف شيئاً عن بيان الجولة السابقة، إذ تطرق إلى مصالح الدول الثلاثة في سوريا، وهاجم الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
الجولة السابعة عشر في الـ 21 كانون الأول عام 2021: لم يخرج البيان الختامي للجولة 17 من مسلسل أستانا بين ثلاثي الصفقات (روسيا وتركيا وإيران) بشأن سوريا، عن نطاق بيانات الجولات السابقة التي تضمنت الحديث عن (وحدة الأراضي السورية واستقلالها) ومهاجمة التجربة الديمقراطية في شمال وشرق سوريا.
وتزامنت هذه الجولة مع هجمات مكثفة للاحتلال التركي على شمال وشرق سوريا، حيث قصف بشكل مكثف خطوط التماس في تل تمر وزركان، بالإضافة إلى القصف بطيران مسيّر على كوباني، ما أدى إلى سقوط شهداء وجرحى، فيما أطلق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تصريحات سلبية تجاه الإدارة الذاتية والكرد.
الجولة الثامنة عشر في الـ 17من حزيران عام 2022: لم تَخرج الجولة الثامنة عشرة من لقاءات أستانا بأيّ نتائج مفاجئة أو خارجة عن المألوف، باستثناء فشل حصول الاحتلال التركي على صفقة تمكنها من توسيع احتلالها لمناطق في شمال وشمال شرق سوريا، حيث كانت تهدد قبل هذه الجولة بإطلاق عملية احتلالية جديدة.
الجولة التاسعة عشر في الـ 23 من تشرين الأول عام 2022: اختتمت الجولة الـ 19 لاجتماع “أستانا”، في وقت تواصل فيه دولة الاحتلال التركي هجماتها الجوية والبرية على مناطق شمال وشرق سوريا، البيان الختامي لثلاثي الصفقات لم يكن مغايراً لما سبقه، وكعادته اتفق الثلاثي على معاداة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وغض الطرف عن همجية جيش الاحتلال التركي ومرتزقته في الشمال السوري، حيث جدد البيان الخطاب المعادي للإدارة الذاتية ووصفها بـ “المشروع الانفصالي”.
الجولة العشرين في الـ 21 من حزيران 2023: اختُتمت الجولة الـ 20 لاجتماع “أستانا”، على وقع اعتداءات دولة الاحتلال التركي على شمال وشرق سوريا، فيما اقترحت وزارة الخارجية الكازاخستانية جعل هذا الاجتماع لمحادثات أستانا حول سوريا، الجولة الأخيرة من اللقاءات بهذه الصيغة، ولم يختلف البيان الختامي عن سابقه، والذي أصرّ على كيل اتهامات “الانفصال” للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التي طالما أكدت بالقول والفعل على وحدة الأراضي السورية والدعوة إلى الحوار مع حكومة دمشق، على عكس دولة الاحتلال التركي ومرتزقته، بالإضافة إلى أن هذه الجولة تضمنت محاولة دفع التطبيع بين حكومة دمشق والاحتلال التركي، حيث تم مناقشة خريطة الطريق الروسية بشأن ذلك.
الجولة القادمة.. تركيا تكثف هجماتها وما تبقى من “خفض التصعيد” يشتعل
وتباعاً لهذه الجولات، من المنتظر أن تعقد الجولة الواحدة والعشرون من اجتماعات أستانا في الـ 24 والـ 25 من كانون الثاني الجاري، على ما أعلنت الخارجية الكازاخية.
وسبق هذه الجولة، تصعيد من قبل دولة الاحتلال التركي على مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، كثف فيه القصف على البنى التحتية والمنشآت الخدمية، بالتوازي مع تصعيد تقوم به حكومة دمشق على مناطق نفوذ الاحتلال التركي في أرياف إدلب وحماة وحلب، وتركز القصف على منطقة جبل الزاوية وجنوب حلب.
المصدر: ANHA.