ماذا ينتظر شمال شرق سوريا بعد انسحاب أمريكا من أفغانستان؟
أثار انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان تساؤلات بشأن مستقبل منطقة الشرق الأوسط، وتداعيات الانسحاب على الأمن والاستقرار الإقليميين، تاركاً مخاوف لدى الأكراد من تكرار السيناريو الأفغاني في منطقة شمال شرق سوريا تحديدًا، التي تعاني من وجود خلايا نائمة لتنظيم داعش، رغم إعلان قوات سوريا الديمقراطية ”قسد“، قبل أكثر من عامين، تحرير آخر جيب للتنظيم في قرية ”الباغوز“ بدير الزور، بدعم جوي من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.
واعتبر محللون سياسيون أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان هو بمثابة هزيمة لأقوى دولة في العالم تتخلى عن حلفائها وشركائها، مع الأخذ في الاعتبار أن ظروف أفغانستان تختلف كليًا عن ظروف مناطق شمال شرق سوريا.
ووفقًا لمحللين أمريكيين، فإن الانسحاب من أفغانستان لا علاقة له بسوريا، فيما يعتبر مسؤولون أكراد أن الانسحاب المفاجئ من شمال شرق البلاد سيفتح الباب واسعًا أمام الإرهاب، رغم أن التدخل الأمريكي محدود وضمن بقعة جغرافية معينة.
ففي مارس / آذار 2019، أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، تحرير الأراضي السورية من التنظيم بعد 5 سنوات من فرض سيطرته، بالقول: ”هُزم داعش بنسبة 100% في سوريا“، بينما تشير تقارير إلى وجود 2000 جندي أمريكي في سوريا حاليًا.
واكتمل انسحاب الجيش الأمريكي من أفغانستان، في 31 أغسطس / آب 2021، بحسب إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أكد أن المهمة ”حققت أهدافها“.
الانسحاب من أفغانستان لا علاقة له بسوريا
اعتبرت المحللة السياسية الأمريكية الدكتورة لوري ميلروي، أنه ”من وجهة نظر الولايات المتحدة، فالانسحاب من أفغانستان لا علاقة له بشمال شرق سوريا؛ وقد قال المسؤولون الأمريكيون ذلك مرارًا وتكرارًا، بدءًا من الرئيس جو بايدن، فالتهديد الإرهابي لم يعد موجودًا في أفغانستان، بل في مناطق أخرى، مثل: سوريا، والعراق، حيث تقاتل الولايات المتحدة داعش إلى جانب الشركاء المحليين“.
وأضافت ميلروي، عبر خدمة رسائل واتساب لـ“إرم نيوز“: ”المشكلة الأساسية هي في تعريف الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش لأهداف الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر، ففي أكتوبر، ذهب إلى الحرب في أفغانستان وأعتقد أنه انتصر هناك بالفعل في ديسمبر“.
وأوضحت ميلروي، المتخصصة في قضايا الإرهاب، أن ”سياسة بوش أنتجت أجندة بعيدة المدى، ومنها عملية التحول الديمقراطية في الشرق الأوسط، لكن هذا غير قابل للتحقيق، فالانسحاب من أفغانستان، رغم فشله، إلا أنه جزء من هذه الأجندة“.
ورجحت أن ”يشجع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان الأطراف المعادية، بما فيها الميليشيات الموالية لإيران، لتصبح أكثر جرأة في مهاجمة القوات الأمريكية“.
الانسحاب المفاجئ سيفتح باب الإرهاب
وأوضح القيادي الكردي بدران جيا كرد، أسباب الانسحاب الأمريكي بين أفغانستان وسوريا، قائلًا إن ”الصراعات والتناقضات والظروف تتغير من دولة لأخرى؛ فأسباب التدخل الأمريكي في سوريا كانت محاربة الإرهاب، وداعش، والتهديد ما زال قائمًا، والجهات الرسمية الأمريكية تدرك استمرار الإرهاب في سوريا والعراق، أي أن مهمتها لم تنتهِ بعد كما انتهت في أفغانستان“.
وشدد جيا كرد، عبر خدمة رسائل واتساب لـ“إرم نيوز“، أن ”وجود الإدارة الذاتية، وقوات سوريا الديمقراطية، لم يكن مرتبطًا بالوجود الأمريكي، وسيتسمر مع خروجها، لاسيما أن الإدارة تشكلت من أبناء المنطقة، وحاربت الإرهاب، والاحتلال التركي، وستؤدي وظيفتها الوطنية تجاه أي جهة معادية“، محذرًا من أن ”أي انسحاب أمريكي مفاجئ من مناطق شمال شرق سوريا قبل الوصول لتوافقات وحلول، سيفتح الباب واسعًا أمام الإرهاب“.
وأضاف بدران جيا كرد، وهو ”نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا“، لـ ”إرم نيوز“: ”ربما تتخذ الإدارة الأمريكية قرارًا بلحظة ما، لأن الإستراتيجية الأمريكية، سياسيًا، غير واضحة في سوريا، ما يقلق القوى المتحالفة لمحاربة الإرهاب“، داعيًا لـ ”ضرورة تجاوز ذلك القلق، وتوضيح السياسات لخدمة الحل السياسي السوري، وتأمين استقرار مستدام، للوصول لهزيمة دائمة للإرهاب“.
التدخل الأمريكي في سوريا محدود
وأشار السياسي الكردي زيرك شيخو، إلى ما أسماها بـ ”أوجه الاختلاف الكبيرة بين الحالتين السورية الأفغانية من النواحي الجغرافية، والتركيبة الفكرية، والمجتمعية، والأنظمة الحاكمة في كل من كابول، ودمشق“، موضحًا أنه ”حتى من الناحية العسكرية والوجود العسكري الأمريكي، يوجد فرق شاسع، فلا يمكن مقارنة الوجود الأمريكي في أفغانستان بتدخل أمريكي مباشر محدود في بقعة جغرافية معينة من سوريا أو مقارنة أسباب التدخل“.
وأضاف زيرك شيخو، عبر خدمة رسائل واتساب لـ“إرم نيوز“: ”تقتصر جهود أمريكا في شمال شرق سوريا في دعم القوات المحلية، وتدريبها في مواجهة داعش، والتي بدورها أثبتت قوتها وفعاليتها وتنظيمها بعكس القوات الأفغانية التي عجزت عن تحقيق أي إنجاز عسكري على الأرض، وسرعة انهيارها لمجرد الانسحاب الأمريكي“.
وفيما يتعلق بتداعيات الانسحاب على مناطق شمال شرق سوريا، قال شيخو: ”التداعيات كثيرة، لاسيما من الناحية المعنوية؛ حيث انعدمت الثقة بالوعود والدعم الأمريكي لشركائها من فيتنام إلى أفغانستان، مرورًا ببيروت، ومقديشو، وشمال شرق سوريا“، منوهًا إلى أن ”الحكومة المحلية تأخذ بعين الاعتبار جميع الاحتمالات، لأن المنطقة في قلب عواصف سياسية وعسكرية تتغير بين الحين والآخر في شدتها“.