أخبارمقالات

طلال محمد: هل من حلٍّ في دمشق؟

سؤالٌ قديمٌ جديد، يتكرّرُ بين كلِّ حينٍ وآخر؛ بين كلِّ حدثٍ وآخر؛ بين كلِّ برميلٍ متفجّرٍ وآخر، وكلّما حاولَ هذا السؤالُ رفعَ رأسهِ مجدّداً، هدهدتهُ يدُ الأعوامِ العشرةِ الفائتة من الأزمةِ الداميةِ ليعودَ إلى سباتهِ المؤقت مرةً أخرى. إنه السؤالُ الذي يُطرحُ بين كلِّ فترةٍ وأخرى أملاً في أن يتلمّسَ السائلُ إجابةً أو شبهَ إجابة تحملُ قدراً من التفاؤل الذي يرمي إليه السائلُ من منطلقِ أن الأيامَ والأحداثَ تكونُ كفيلةً أحياناً بتغييرِ القلوبِ والعقولِ وتطهيرهما من الضغائن.

للأسف، لا يبدو أن للسؤالِ المتجدّدِ إجابةً جديدةً تريحُ قلبَ السائل وعقله، بل ربما أضحى هذا السؤالُ مضيعةً للجهدِ والوقتِ معاً، وهذا ليسَ تكهّناً يطلقهُ لساني عبثاً، إنما هو بيانٌ جليٌّ فضيحٌ تشيرُ إليه سبابةُ الأعوامِ العشرةِ الماضية ومن قبلها عقودٌ عدّة؛ عقودٌ من الظلامِ والقمعِ والاستعبادِ والإفقارِ والتعذيبِ والإنكارِ والإلغاءِ والتلاعبِ بالتاريخِ والجغرافيا والثقافة، عقودٌ أشبهُ ما تكونُ بسجنٍ كبيرٍ قضبانهُ من نارٍ وسجّانوهُ من وحوشٍ خُلقت لتفتكَ بالبشر.

قد يكونُ السؤالُ بحدِّ ذاتهِ ضرباً من ضروبِ الوهمِ والخيال، حين يتعلّقُ الأمرُ بطلبِ حلٍّ مُرضٍ مصدرهُ دمشق، إذ ليسَ من المنطقيِّ أن يسألَ المرءُ عن حلٍّ من نظامٍ هو جوهرُ المشكلةِ وأساسها؛ ليسَ من المنطقيِّ أن يطلبَ المرءُ نوراً من نظامٍ غارقٍ في الظلام؛ ليسَ من المنطقيِّ أن ينشدَ المرءُ حلاً من نظامٍ قائمٍ أساساً على خلقِ المشكلات وتأجيجها؛ ليسَ من المنطقيِّ أن يطلبَ المرءُ حلاً من نظامٍ يرى نفسه إلهاً يعاقبُ من يشاء ويكافئ من يشاء.

لا حلَّ في دمشق. ما يراهُ النظامُ حلاً وحيداً هو إيمانهُ باستمرارِ عمل المقصلةِ التي جاهدَ عقوداً في بنائها لأجل الشعب المقهور أو لأجلِ «الخراف الضالة» من الشعبِ المقهورِ وفق منظوره.. إن نظاماً كهذا لا يمكنُ أن يكون مصدراً للحل، كما لا يمكنُ أن يتقبّلَ الشراكةَ في صناعةِ الحل، لأنه لا يعدُّ نفسه طرفاً في نزاعٍ أو صراع، إنما يعتبرُ نفسه مالكاً للوطن برمته، أرضاً وشعباً وتاريخاً وثقافةً ولغةً وديناً.

عشرةُ أعوامٍ من المآسي. مئاتُ الآلافِ من الضحايا. دمارٌ هائلٌ قلّما شهدَ التاريخُ مثله. جوعٌ وحرمانٌ من أبسطِ مقوّمات الحياة. ملايين النازحين واللاجئين الباحثينَ عن رقعةٍ تؤمّن لهم ما ينجّيهم من مخالب الموت. كلُّ ذلك، ولا يزال هذا النظامُ الذي يزعمُ أنه يخوضُ «حرباً مقدّسةً» ضدَّ «قوى الشرِّ» يردّدُ الخطابَ ذاته والشعارَ نفسه، موزّعاً شهادات الوطنيّةِ والخيانةِ والإرتزاقِ والإرهابِ مثلما يمليهِ عليه هواه؛ هواهُ الذي لا يمكنُ مطلقاً أن يكون مصدراً للحل.

قولاً واحداً، من دونِ إرادةٍ دوليّةٍ ضاغطةٍ فاعلةٍ مؤثرة، لن يخطو النظامُ خطوةً واحدةً صوب أيِّ حلٍّ مُرضٍ لهذا الوطن المنهك، لاسيما الحلول الديمقراطيّة التي تؤمنُ بالشعوبِ وحقوقها، وحدها هذه الإدارةُ قادرةٌ على إرضاخِ هذا النظام لمبدأ تعددية الشعوبِ والمكوّناتِ واللغاتِ والأديان؛ لمبدأ الإخوّةِ والتعايشِ والسلام؛ لمبدأ أن هذا الوطن للكل وليس لفئةٍ محتكرةٍ واحدة؛ لمبدأ الديمقراطيّة التي تنعمُ به الآن مكوّنات شمال شرقي سوريا. من دونِ هذه الإرادة لن يكون هناك إلا المزيدَ من الدماءِ والتشريدِ والدمار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى