يمرُّ الشعبُ الكرُدي وحركتهُ السياسيةُ، في الوقتِ الراهن، بظروفٍ داخليةٍ وإقليميّة ودوليّةٍ حسّاسةٍ للغاية؛ ظروفٍ تبعثُ على الخوفِ والخطورةِ بقدر ما تبعثُ على الأملِ والتفاؤل، وإذا كان مصدرُ هذا الأمل هو مقاومةُ هذا الشعب وإصراره على نيل حريّته وحقوقه المشروعة، فإن مصدر الخطورة هو الدولُ المغتصبة لحقوقِ هذا الشعب وإصرارها على كسرِ إرادتهِ وإحباطِ حراكه السياسي والقضاءِ على مكتسباتهِ التي حقّقها بدماءِ الآلاف من أبناءه وبناته.
لقد سعت الدولُ المغتصبةُ لكردستان، بكلِّ ما لديها من أدواتٍ ووسائل، إلى إسكاتِ صوت هذا الشعب المناضل والنيلِ من مساعيه وطموحاته إلى الحريةِ المنشودة، ولا تزالُ هذه الدولُ، وفي مقدمتها تركيا، تسعى إلى الغايةِ ذاتها، بمختلف الأساليب البريرية الوحشيّة، بل إن أنيابها أضحت أكثرَ فتكاً ومخالبها باتت أكثرَ تجريحاً، بعد أن تمكّنَ الكردُ مع المكوّنات الأخرى الشريكة، في روج آفا- شمال شرقي سوريا، من إنجازِ مكتسباتٍ على الأرض.
العدوُّ الذي نتحدّثُ عنه لا يمكنُ له مطلقاً أن يتحوّلَ إلى صديقٍ أو حليف، وإن حاولَ الجهرَ بذلك نفاقاً لبعض الوقت لطرفٍ كُرديٍّ ما، فالمسألةُ ليست متعلّقة بخلافٍ سياسيٍّ أو اقتصاديٍّ هيّن، إنما المسألةُ هي قضيّةُ أرضٍ وشعبٍ وهوية، وفي مثل هذه القضايا لا صداقةَ بين الظالمِ والمظلوم، بين السالبِ والمسلوب، بين المعتدي على الحقِّ والطالبِ بحقه.
هذا العدوُّ الذي اقترفَ إباداتٍ وجرائمَ لا تحصى ضدَّ مختلف المكوّنات في شمال شرق سوريا- روج آفا، وأيضاً في شنكال/ سنجار ضدَّ الإيزيديين عبر تنظيم “داعش” الإرهابي، وكان سبباً بارزاً من أسباب فشل استقلال كردستان العراق- باشور، لا يمكنُ له إلا أن يستمرَّ في حملاتِ القمعِ والإبادةِ ضدَّ الكرد وهويتهم وقضيتهم العادلة، سواءً عبر جيشه أو عبر تنظيماته الإرهابية على اختلاف تسمياتها، ولا يمكنُ له إلا أن يواصلَ إحداثَ الفتنِ وبثَّ السمومِ واستغلالَ التناقضاتِ والخلافاتِ الواقعة بين أطرافٍ أو أحزابٍ كرديّة، سواءً في روج آفا أو في باشور.
إن حساسيةَ المرحلة وخطورتها بالنسبة إلى القضيةِ الكُردية لا تحتمل أيّ تفرقةٍ أو تشرذمٍ بين القوى والأحزاب السياسية الكُردية، ولا تحتمل إمكانيّةَ الوقوعِ في شركِ الفتنِ التي تسهرُ تركيا على خلقها أو إثارتها، فالمكتسباتُ التي أُنجزت بفضلِ دماء الشهداء، في باشور وروج آفا، تحتاجُ إلى وحدة الصفِ والتعاضد والتساند والمؤازرة، وليس إلى التفرقةِ والتشرذم والشقاق.
علينا أن ندركَ جيداً أن أخشى ما يخشاه العدو هو الوحدة، ولذلك، فإنه يسعى بكلِّ ما أوتي من قوةٍ ودهاء إلى تمزيق أوصال هذه الوحدة وضرب مقوماتها وأركانها وأسسها، محاولاً تفتيتها وتحويلها إلى مِزقٍ هشةٍ وضعيفةٍ لا حول لها ولا قوة.. هذه الحقيقة الواضحة والجلية، تفرضُ على مختلف القوى السياسية الكردية، أكثر من أي وقت مضى، المضي قدماً نحو وحدة الصف، كمطلبٍ ملّحٍ وجوهريٍّ غير قابلٍ لنقاشٍ طويل.
الوحدة، الوحدة، الوحدة.. هل من شعارٍ آخر يساوي قوته في إخافةِ العدوّ؟ هل من شعارٍ آخر يوازي متانته في تحصيل الحقوق المهضومة؟ هل من شعارٍ آخر يضاهي درجة إلحاحه فيما ينتظره الشعب؟ هل من شعارٍ آخر، في التاريخ، شكّل مثله حصناً منيعاً أمام مخططات الأعداء ومطامعهم؟… لا نظنُّ أن الإجابة تحتاج إلى كثير من التفكير.. فلماذا الشقاق إذاً؟!.