أخبار

تصاعد حدة الحرب الأوكرانية.. الأهداف والمسارات المتوقعة

شهدت الحرب الأوكرانية – الروسية تصعيداً متزايداً خلال الأيام والأسابيع الماضية، وفي وقت يرجع مراقبون هذا التطور الميداني إلى نقص عتاد وذخيرة القوات الأوكرانية بسبب تراجع الدعم الغربي، إلا أن آخرين يرون أن ذلك ناتج عن رغبة روسية في الحسم وضعف القدرة البشرية لدى الجيش الأوكراني، فما هي مسارات الحرب المتوقعة؟

بعد الاستيلاء على بلدة أفدييفكا الاستراتيجية في شمال شرق أوكرانيا قبل أسبوعين، استولت القوات الروسية على ثلاث قرى أخرى في الأيام القليلة الماضية، ما يشير إلى زخم متزايد في تقدمها حتى مع تحذير المسؤولين الغربيين من نقص الذخيرة الذي يواجهه جيش كييف.

أعلنت وزارة الدفاع الروسية يوم الأربعاء، أن قواتها سيطرت على قرية ستيبوف، على بعد سبعة أميال شمال غرب أفدييفكا. وقال مسؤولون أوكرانيون في اليوم السابق إن القوات الأوكرانية انسحبت من ستيبوف وقرية سيفيرن المجاورة.

وقال المتحدث باسم الجيش دميترو ليخوفي يوم الإثنين للتلفزيون الأوكراني إن القوات الأوكرانية انسحبت أيضاً من قرية لاستوشكيني “لتنظيم الدفاعات” على طول خط جديد من المستوطنات “بهدف منع تقدم العدو إلى الغرب”.

ولم تكن للقرى أهمية استراتيجية كبيرة، وكان عدد سكان ستيبوف وسيفيرن أقل من 100 شخص حتى قبل التحرك العسكري الروسي، لكن المكاسب تشير إلى أن روسيا كانت تعزز تفوقها بعد الاستيلاء على أفدييفكا، وهو أول انتصار كبير لها منذ الاستيلاء على مدينة باخموت الشرقية في مايو الماضي.

وقال الأدميرال السير توني راداكين، قائد القوات المسلحة البريطانية، في مؤتمر عُقد في لندن يوم الثلاثاء، إن الوضع في أوكرانيا كان “صعباً بلا شك”، وأصبح أكثر حدة لأن جيشها كان “يكافح مع ذخائره ومخزوناته“.

ويرجع البعض هذا التغير في الميدان الأوكراني إلى تراجع الدعم الغربي للقوات الأوكرانية، ويمنح الجمهوريون في مجلس النواب نحو 60 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا، وهي جزء من حزمة أكبر تشمل مساعدات لإسرائيل وتايوان، حيث فشل اجتماع يوم الثلاثاء بين الرئيس بايدن وزعماء الكونغرس في كسر الجمود.

ويعزو المسؤولون الأمريكيون خسارة أفدييفكا إلى النقص في الذخيرة ويحذرون من أن الظروف قد تصبح أسوأ بشكل ملحوظ إذا لم يوافق الكونجرس على حزمة المساعدات.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميللر يوم الثلاثاء، إن “الوضع خطير للغاية الآن، لقد رأينا قوات الخطوط الأمامية الأوكرانية التي لا تملك الذخيرة التي تحتاجها لصد العدوان الروسي. وما زالوا يقاتلون بشجاعة. لا يزال لديهم الدروع والأسلحة والذخائر التي يمكنهم استخدامها، لكنهم مضطرون إلى تقنينها الآن لأن الكونغرس الأمريكي فشل في التحرك”.

خلفيات التصعيد ودوافعه

الأكاديمي والباحث في الشؤون الروسية الدكتور محمود الأفندي، يرى أن “ذلك هو نتيجة فشل الهجوم المعاكس الأوكراني الذي بدأوا فيه منذ أواخر ربيع العام الماضي والذي امتد حتى بداية الشتاء، حيث في العرف العسكري دائماً عندما تفشل في هجوم ستواجه هجوم معاكس وهذا أمر طبيعي، وما يحدث الآن هو استعادة روسيا لمناطق قد خسرتها لصالح أوكرانيا خلال هجوم الأخيرة المعاكس، بالإضافة إلى السيطرة على مدن مهمة”.

لكن الأكاديمي والباحث في الشؤون الأوروبية والعلاقات الدولية، الدكتور طارق وهبي يرى أن “روسيا تحاول أن تبرهن على قدراتها القتالية ووضع أوكرانيا أمام حقيقة أنها دون دعم خارجي، فهي الآن بعد التجهيز الروسي لمقاتليها في خانة الخسارة صورياً، زد على ذلك أن روسيا في هذه الحالة ترفع من شروطها في حال الذهاب إلى مرحلة تفاوض”.

وأشار إلى أنه “في البداية يطمح بوتين إلى إنهاء هذه الحرب ولكنه منذ بداية ما سمي بالعملية العسكرية والعالم يقول لا يمكن خسارة أوكرانيا وهذا يدفع بالجميع على القول إن روسيا بدأت تفهم أنه لا يمكن شطب أوكرانيا عن الخريطة، لكن التصعيد الروسي يأتي في سياق البحث عن فجوة في ساحة المعركة لصالحها ولكي تكسر من معنويات المقاتلين الأوكرانيين، كما أن الوقت بات مناسباً بعد التغيرات البشرية في القيادة الأوكرانية، أن قرار حسم المعركة مرتبط بعدة عوامل أهمها كيف سيتلقى الغرب خسارة أوكرانيا؟ وهل سيكلف ذلك على الصعيد السياسي أن تصبح روسيا المجرم الأول في العالم؟”.

نقص في العتاد العسكري أم البشري

وعن مسألة إرجاع ذلك إلى نقص في الذخيرة الأوكرانية، رأى الباحث في الشأن الروسي الدكتور محمود الأفندي أن “هذه طريقة إعلامية فقط لأن الذخيرة موجودة وتستطيع فيها أوكرانيا محاربة روسيا لمدة عام، لكن المشكلة تكمن في نقص العتاد البشري، الهجوم المعاكس أدى إلى خسارة هائلة في العتاد البشري، والدليل على ذلك أنه وخلال مؤتمر باريس لم يدرس الغرب إرسال أسلحة إلى أوكرانيا لكن تم دراسة إدخال قوات من الناتو إلى هناك وهذا يعطي صورة عن دول الغرب بأنها لا تمتلك جيشاً وتعداداً بشرياً لتقوم بتدريبهم وإرسالهم إلى الحدود”.

بدوره، أشار طارق وهبي إلى أن “روسيا استطاعت أن تحسّن من مستوى الإنتاج العسكري اللوجستي والتعلم من أخطائها على أرض المعركة، كما أن أوكرانيا دخلت في دوامة شروط تفرضها الأحزاب السياسية في الغرب لإمدادها بالسلاح والعتاد تحت شعارات البعد عن الجرائم الإنسانية”.

إلى أين تتجه الحرب؟

وعن تأثيرات ذلك على الميدان ومسارات الحرب، أشار محمود الأفندي، إلى أنه “بين أوكرانيا وروسيا هناك جبهة عسكرية محصنة يبلغ طولها 1000 كم٢، هذه الجبهة تم اختراقها من عدة جهات، وبالتالي يمكن أن تسقط المدن الأوكرانية كأحجار الدومينو وهذا ما حذر منه محافظ كييف، الذي قال إن سقوط أفيديفكا هو بدء مرحلة الدومينو. إذا استمر الوضع العسكري كما هو عليه وبقيت المبادرة العسكرية بيد روسيا، سنرى تساقط للمدن الأوكرانية شيئاً فشيئاً”.

ويرى أن “الحرب تتجه لأن تحقق روسيا أهدافها من العملية العسكرية وتحرير الدونباس بشكل كامل، وإسقاط الحكومة الأوكرانية، وإذا لم تسقط ستكون روسيا مضطرة للسيطرة على مدن جديدة لإبعاد الخطر عنها، الحرب قائمة حتى شعور روسيا بأمان من طرف أوكرانيا بالطريقة السياسية أو العسكرية، بإبعاد الجيش الأوكراني إلى أبعد منطقة عن روسيا. كان هناك جدار يفصل بين الغرب والشرق هو جدار برلين؛ لذلك يمكن أن نرى هناك جداراً جديداً في كييف أو في مدن أخرى”.

بدوره، يرى طارق وهبي في هذا السياق، أن “الحرب مستمرة وكل فريق يحاول أن يبرهن إلى أي مدى هو قادر على التحرك في ساحة المعركة، على الرغم من أن الفريقين لا يزالا غير متعادلين. بدأت الحرب بتشتت روسي واضح بعد عدم استطاعة قواتها الوصول إلى كييف. كما أن أوكرانيا استطاعت بالتجهيزات الموجودة صد الهجوم الأولي ولكنها شبه استسلمت بعد الكمية الهائلة من الصواريخ والقذائف التي تساقطت في كل أنحاء أوكرانيا، الغرب سلّح أوكرانيا ولكنها تفتقر إلى العديد ومستوى التأهيل القتالي”.

وأضاف وهبي أن “التصريح الذي أدلى به الرئيس ماكرون عن إمكانية وجود قوات أوروبية جنباً إلى جنب القوات الأوكرانية ما هو إلى تحديد مسار الحرب: ساعدوا أوكرانيا بكل الإمكانات لكي نربح الحرب، روسيا لا تراه من هذا الاتجاه، بل تحذر أن ذلك يعدّ حرباً مباشرة وكل الخيارات مفتوحة، أي حرب شاملة على أوروبا أولاً، والتي أفرغت مخازنها العسكرية بعد دعمها لأوكرانيا، وقد يبرز هنا أن كل هذا التصعيد ليس إلا وضع سقوف للتفاوض لاحقاً، ذلك يعني أن فكرة إنشاء دولة روسيا الجديدة التي تضم الأقاليم الأوكرانية التي ترغب بالانضمام إلى روسيا، وهكذا تبتعد الحدود الأوكرانية عن روسيا”.

تأثيرات ذلك على الصراع الأميركي – الروسي

وعن إمكانية أن يؤدي ذلك إلى زيادة مستوى الصراع بين روسيا والغرب، أشار الدكتور محمود الأفندي إلى أن “أميركا منخرطة في الحرب منذ بدايتها، وهي تقوم بدعم أوكرانيا بكافة الجوانب وهذا ما أدى إلى انقطاع العلاقات بين روسيا وأمريكا بشكل نهائي، ولا أعتقد أن تعود كما كانت لفترة طويلة من الزمن، وبالتأكيد أثرت الحرب الأوكرانية على الصراع، ولكنه لن يصل إلى صراع مباشر لعدة أسباب، أهمها أن الولايات المتحدة والغرب لا يريدون صراعاً مباشراً؛ لأن الهدف مختلف عن ذلك وهو حرب بالوكالة يتم من خلالها تدمير روسيا اقتصادياً وإضعافها عسكرياً، وحتى الآن لم يستطيعوا تحقيق هذه الأهداف”.

وأكد أن “الصراع المباشر بين أمريكا وروسيا أمر مستحيل؛ لأنه صراع نووي وسيؤدي إلى نهاية البشرية تقريباً، لا أعتقد أن الدولتين الكبريين في العالم ستتحاربان نووياً من أجل أوكرانيا”.

بدوره، رأى طارق وهبي أن “الحرب في أوكرانيا تظل في الواجهة غربياً، وروسيا وأمريكا تحاولان ألا تفتحا أي جبهات أخرى لأن السيطرة عليها قد تكون صعبة ولكن القطبان يستطيعان أن يراوغا على أكثر من جبهة، وهذا قد يرفع من حدة العمليات العسكرية ولكنها ستظل محدودة”.

المصدر: ANHA.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى