أخباربيانات

بيان إلى الرأي العام بمناسبة الذكرى السنوية الثامنة لثورة ١٩ تموز

شكّلت “ثورة 19 تموز” التي انطلقت شرارتها في مدينة كوباني عام 2012 وامتدّت إلى مختلف مناطق شمال وشرق سوريا قفزةً نوعيةً في المفاهيم المتعلّقة بمعاني الثورة والحرية والديمقراطية والحقوق والتعايش المشترك، إذ استطاعت هذه الثورة خلال السنوات الماضية عبر حراكها ونضالها الجدي أن تبرهن وتثبت أن الفعل الثوري لا يمكن أن يقتصر على العمل العسكري فقط لتغيير منظومة قمعية وإنما يجب أن تكون هناك مرتكزات وأسس فكرية وأخلاقية مرافقة لعملية التغيير المنشودة، فالثورة التي لا تكون شاملة لا يُتوقّع لها النجاح في تحقيق التغيير المطلوب.

إن المرتكزات الفكرية والأخلاقية في الفعل الثورى تشكّل الجانب الأكبر من جدوى هذا الفعل، فمن دون هذه المرتكزات يتحوّل الفعل الثوري إلى ما يمكن تسميته بـ «الفوضى الثائرة» أو «الفعل الثوري الاتكالي» الذي لا يمكن التنبؤ بمصيره ومستقبله، ويسهل اختراقه من قبل أي دولة ساعية إلى قيادته بما يوائم مصالحها دون مصالح الشعب الثائر، وهذا ما شهدناه طيلة سنوات الأزمة السورية لدى قادة المعارضة الذين ادّعوا ولا يزالون يدّعون أنهم يقودون ثورةً ضدَّ النظام السوري القمعي، فيما هم في الواقع يسعون إلى وضع سلطة قمعيةٍ مكان سلطةٍ قمعيةٍ أخرى دون أي تغيير في الذهنية التي هي أساس كل فعل ثوري.

ترى أيُّ فعل ثوري هذا الذي تقوده مجموعة دول لكلٍّ منها مصالحها؟ وأي فعل ثوري هذا الذي تتصارع وتتقاتل على توجيه دفته مئات التنظيمات المتطرّفة المكوّنة من جنسيات متعدّدة لا علاقة لها بسوريا وطموحات شعوبها؟ وأي فعل ثوري هذا الذي أشاع التطرّف وإنكار الآخر المختلف أكثر مما أشاعته السلطة الحاكمة منذ نصف قرن؟ وأي فعل ثوري هذا الذي يتخّذ من مختلف أنواع الجرائم والانتهاكات وسيلةً في عملية التغيير المزعومة؟.. هذا ليس سعياً وراء التغيير وإنما وراء السلطة.

لكن لو عدنا إلى مناطق شمال شرق سوريا وقرأنا تفاصيل فعلها الثوري، سنجد أمامنا مفهوماً شاملاً للثورة، إذ لاتفرقة، لا تمييز، لا فصائل متعدّدة متحاربة متقاتلة فيما بينها، لا رفض للآخر المختلف. لا طائفية. المرأة مشاركة بكل فعالية. الشباب مشاركون بقوة. المكونات برمتها متعايشة ومشاركة في عملية التغيير. درجة الأمان والسلام عالية مقارنة بغيرها من المناطق. وغيرها من المسألة الهامة التي تمس جوهر الفعل الثوري، وبذلك يكون تاريخ 19 تموز عام 2012 هو الانطلاقة الحقيقية للثورة بمعناها الشامل، سياسياً، إدارياً، فكرياً، اجتماعياً، ثقافياً، عسكرياً.. إلخ، والانطلاقة الحقيقية لبناء وطن حرٍّ ومجتمع ديمقراطي متماسك، يشاركُ الجميع في بنائه بفعالية.

وبما أن ثورة 19 تموز ثورة مثّلت الوجه الحقيقي للثورة، فإنها تعرّضت ولا تزال تتعرّض لهجماتٍ راميةٍ إلى إحباطها وتشويهها من قبل أطرافٍ ودول لا تريد حلولاً للمنطقة وتحاول إبقاءها في مستنقع الدماء والدمار، لاسيما تركيا التي حاولت بدايةً القضاء على هذه التجربة الديمقراطيّة عبر دعم ودفع الإرهاب والإرهابيين من أمثال تنظيم “داعش” الإرهابي والنصرة، وبعد فشلها في ذلك، لجأت إلى أساليب مباشرة في محاربة هذه التجربة، من خلال احتلال بعض المناطق من شمال سوريا مثل الباب واعزاز وجرابلس وعفرين، وكري سبي، وسري كانيه.

بمناسبة مرور 8 أعوام على انطلاقة هذه الثورة، نحن في حزب السلام الديمقراطي الكردستاني نبارك قبل كل شيء عوائل الشهداء، وجميع مكونات روجافا (شمال شرق سوريا)، وقواتها العسكرية وإداراتها الذاتية، المكتسبات التي تحققت خلال الأعوام الفائتة، ونؤكد على أن هذه المكتسبات ما كانت لتتحقق لولا الإرادة الحرّة التي تتمتع بها هذه المكونات، ولولا رغبتها الجامحة في بناء مجتمع حر متماسك، ولولا تعطشها للتعايش بحرية والإخوة بسلام بعيداً عن التفرقة قريباً من الوحدة والتكاتف، كما ندعو جميع هذه المكونات إلى الوقوف صفاً واحداً في وجه جميع المخططات والمؤامرات الرامية إلى الاحتلال وزرع الفتن وإحداث القلاقل وضرب الاستقرار والأمن في المنطقة، فهذه المكتسبات تحققت بفضل دماء آلاف الشهداء، وعلى الجميع الحفاظ عليها والعمل لأجلها.

حزب السلام الديمقراطي الكردستاني 18 / 7 / 2020.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى