انخفاض “غير مسبوق” في مستوى نهر الفرات داخل الأراضي السورية ينذر بكارثة
تواصل دولة الاحتلال التركي قطع كميات كبيرة من مياه نهر الفرات عن الأراضي السورية، فيما يقول مدير سد روج آفا (تشرين) المهندس، حمود الحمادين إن قلة الوارد المائي من الجانب التركي منذ 5 أشهر غير مسبوقة، وأشار إلى أنهم يدخلون من مشكلة إلى كارثة بيئية وإنسانية، كون الخريف هو موسم الاستنزاف للنهر الذي يشهد انخفاضاً كبيراً في مستواه.
“بحيرة سد روج آفا تحولت إلى مجرى نهري”، هكذا بدأ المهندس حمود الحمادين مدير سد روج آفا حديثه عن واقع حال نهر الفرات الذي تحبس دولة الاحتلال التركي كميات كبيرة منه عن الأراضي السورية والعراقية.
يقول الحمادين إن بحيرة سد روج آفا خسرت ما يزيد عن 5 أمتار من مخزونها، وتقترب من الوصول إلى المنسوب الميت الذي لن يتمكن بعده السد من مواصلة العمل، فيما يشير إلى فقدان بحيرة سد الفرات في الطبقة لما يصل إلى 4 أمتار.
يعمل الحمادين في سد روج آفا منذ العام 2008، كان في بدايات مشوار العمل رئيس وردية تشغيل في السد، والآن يشغل منصب المدير. وهو أكثر الأشخاص الذين لديهم اطلاع على أمور المياه والطاقة في السد الذي بني قبل أكثر من 20 عاماً.
قلة الوارد المائي من تركيا غير مسبوقة!
تحارب دولة الاحتلال التركي بشكل علني وعلى جميع الجبهات مناطق شمال وشرق سوريا، ولا توفر دولة الاحتلال جهداً أو أسلوباً إلا وتسخره في سبيل إنهاء وجود شعب المنطقة واحتلال الأراضي السورية.
حوّلت تركيا في السنوات الأخيرة نهر الفرات إلى سلاح حرب ضد المنطقة، إذ تعمل على حبس كميات كبيرة من المياه عن سوريا، فمنذ أكثر من 4 أعوام، تتعمد تركيا إطلاق ما يصل لـ 200 متر مكعب في الثانية كمعدل وسطي من مياه النهر إلى الأراضي السورية، فيما اتفقت أنقرة ودمشق على تمرير 500 متر مكعب إلى سوريا عام 1987.
يقول مدير سد روج آفا، إحدى السدود السورية الثلاثة المقامة على مجرى نهر الفرات، إن بحيرة سد روج آفا انخفضت لما يزيد عن 5 أمتار، وتقترب الآن من المنسوب الميت الذي من المفترض أن يتوقف عنده عمل السد وتلغى ما اسمها البحيرة، ويضيف: “حوالي متر واحد فقط ونصل للمنسوب الميت الذي سيعني كارثة بيئية وإنسانية”.
يشير الحمادين إلى أنه “لولا الاستخدام المقنن جداً للمياه الموجودة في البحيرة لشهدنا كوارث بيئية، انخفاض المنسوب في بحيرة سد روج آفا لا يعني أن الأمر بسيط، المخزون الاستراتيجي لعمل البحيرة هو 5 أمتار ونصف، خروج 5 أمتار عن الخدمة يعني انتهاء البحيرة واستنزاف مخزون البحيرة الاستراتيجي بالكامل، وهذا بسبب قلة الوارد المائي من الجانب التركي”.
ويتابع القول: “قلة الوارد المائي حالياً غير مسبوقة، سابقاً كانت تركيا تقطع المياه لمدة شهر ثم تعطي دفقة لمدة يومين أو 3 أيام، كان ذلك يعني بصيص أمل لمتابعة عمل السدود وإنقاذ المحاصيل الزراعية على جانبي النهر أو الحفاظ على المناسيب الاستراتيجية بالحد الأدنى. لكن منذ 5 أشهر المعدل ثابت تماماً بما يقارب 200 متر مكعب في الثانية وأحياناً أقل، وهذا ينعكس مباشرة على منسوب البحيرات”.
استخدام مدروس للمياه
يقف سد روج آفا عن العمل على توليد الطاقة الكهربائية لمدة 17 ساعة، في هذه الفترة، تنقطع الكهرباء عن كامل المنطقة، يعمل بعدها سد الفرات لـ4 ساعات لإمداد المدن بالكهرباء بعد قطعها عن الأرياف، ثم يتوقف عمل السدود بالكامل من الساعة الثالثة فجراً وحتى الساعة الرابعة عصراً.
تضطر الإدارة العامة للسدود إلى العمل على هذا البرنامج، وذلك لعدم خسارة مخزون البحيرات بشكل كامل، وبالتالي تأمين مياه الري والشرب، لأن تشغيل السدود بكامل استطاعتها لتوليد الكهرباء، سيفرغ البحيرات في غضون ساعات.
بلغة الأرقام، يقول المهندس حمود الحمادين بأن “معدل التبخر من البحيرات في فصل الصيف يصل لـ 75 متر مكعب، وتصل حاجة مياه الشرب المقننة لحوالي 25 متر مكعب في الثانية، حاجة مياه الري تبلغ حوالي 140 متر مكعب في الثانية، بالتالي يكون مجموع الاستهلاك 240 متر مكعب في الثانية، بينما المنسوب الذي يصلنا هو 200 متر مكعب، هذا يعني خسارة 40 متر مكعب في الثانية من مخزون البحيرات عوضاً عن رفعه”.
نتيجة لتوقف السد وقلة المياه في البحيرة، يقول الحمادين إنه “تتوفر بيئة مناسبة لتكاثر جميع أنواع الجراثيم، خاصة أن الجانب التركي أيضاً يلقي نفايات صناعية من المصانع والصرف الصحي في النهر، فعندما تقل المياه تزداد نسبة تركيز هذا التلوث، فنحصل على جودة أقل للمياه، في عرف الهندسة المائية نعلم أن النهر يغسل نفسه بنفسه عن طريق جريانه، أما في الوقت الحالي فالنهر متوقف، لذلك نفتقد لهذه الميزة”.
ويضيف: “نوعية المياه الحالية غير جيدة وغير صالحة للشرب تماماً، لذلك نرى في المناطق المحيطة بالنهر وخاصة في منبج حالات إسهال أو أمراض صدرية”.
ويوضح مدير سد روج آفا بأن “الإدارة العامة للسدود ترى أن المياه هي الحياة، لذلك فإن الحفاظ عليها هو أولوية ثم تأتي مسألة توليد الطاقة الكهربائية، لذلك نرى أن توليد الطاقة الكهربائية حالياً هو في الحد الأدنى الممكن، قدر الإمكان نحافظ على مياه الشرب والري التي هي الأساس في إنتاج المحاصيل الزراعية سواء الشتوية أو الصيفية والتي تحقق الأمن الغذائي”.
الوارد المائي “يدعو للقلق”!
لقد كان المهندس حمود الحمادين شاهداً على التدفق الغزير لنهر الفرات في سنوات ما بعد تشييد سد روج آفا، في بعض السنوات كان يصل معدل التدفق السنوي لأكثر من 800 متر مكعب في الثانية، يقول الحمادين إنه “في الوضع الراهن وفي سابقة لم تحصل منذ إنشاء سد روج آفا إلى اليوم حافظ على وارد ثابت وهو بالحد الأدنى منذ 5 أشهر وهو 200 متر مكعب وأقل أحياناً، هذا منذ نهاية الشتاء في فصل الربيع الذي من المفترض أن يكون تدفق الفرات في ذروته، هذا خلق مشكلة في التوليد، إذ تعطي العنفة حوالي 70 ميغا ونخسر حوالي 35 من استطاعة العنفة كطاقة مهدورة”.
ويشدد على أن الوارد المائي حالياً “أمر يدعو للتوقف والقلق”.
ويضيف: “نحن في فترة ذروة الاستنزاف بعد انتهاء موسم الفيضان والشتاء، شهدنا استنزاف البحيرات في موسم الفيضان بالتالي نحن الآن ندخل من مشكلة إلى كارثة، لأننا ندخل موسم الاستنزاف الحقيقي”.
ويعتبر فصل الربيع موسم فيضان نهر الفرات، وذلك نتيجة لذوبان الثلوج في منابع النهر، لكن تركيا حافظت في هذه الفترة على تمرير منسوب منخفض جداً إلى سوريا، فيما يعتبر الخريف موسم الاستنزاف للنهر الذي يشهد انخفاضاً كبيراً في مستواه.
المصدر: ANHA.